قال أبو محمد : فإن اعترضوا بقول الله عزوجل : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [سورة الزخرف : ٢٠].
فلا حجة لهم في هذه الآيات لأن الله عزوجل لا يتناقض كلامه بل يصدق بعضهم بعضا وإذ قد أخبر تعالى أنه لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا وأنه لو لم يشأ أن يشركوا ما أشركوا وأنه شاء إضلالهم وأنه لا يريد أن يطهّر قلوبهم فمن المحال الممتنع أن يكذّب الله عزوجل قوله الذي أخبر به وصدقه فإذ لا شك في هذا فإنّ في الآية التي ذكروا بيان نقض اعتراضهم بها بأوضح برهان وهو أنه لم يقل تعالى إنهم كذبوا في قولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم فكان يكون لهم حينئذ في الآية متعلق وإنما أخبر تعالى أنهم قالوا ذلك بغير علم عندهم لكن تخرصا ليس في هذه الآية معنى غير هذا أصلا وهذا حق وهو قولنا إن الله تعالى لم ينكر قط فيها ولا في غيرها معنى قولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم بل صدّقه في الآيات الأخرى وإنما أنكر عزوجل أن قالوا ذلك بغير علم لكن بالتخرص وقد أكذب بالله عزوجل من قال الحق الذي لا حق أحق منه إذ قاله غير معتقد له.
قال عزوجل : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [سورة المنافقون : ١].
قال أبو محمد : فلما قالوا أصدق الكلام وهو الشهادة لمحمد صلىاللهعليهوسلم بأنه رسول غير معتقدين لذلك سمّاهم الله تعالى كاذبين وهكذا فصل عزوجل في قولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ، لما قالوا هذا الكلام الذي هو الحق غير عالمين بصحته أنكر تعالى عليهم أن يقولوه متخرصين وبرهان هذا قوله قول الله تعالى إثر هذه الآية نفسها : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [سورة الزخرف : ٢١ ، ٢٢].
فبين تعالى أنهم قالوا ذلك بغير علم من كتاب أتاهم وأن الذين قالوا معتقدين له إنما هو أنهم اهتدوا باتباع آثار آبائهم ، فهذا هو الذي عقدوا عليه وهذا أنكره تعالى عليهم لا قولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم فبطل أن يكون لهم في الآية متعلق أصلا والحمد لله رب العالمين. فإن اعترضوا بقول الله عزوجل (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [سورة النحل : ٣٥].
قال أبو محمد : فإن سكتوا هاهنا لم يهمهم التمويه. وقلنا لهم : صلوا القراءة وأتموا معنى الآية فإن بعد قوله تعالى : (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) متصلا به :