لأنفسهم أو مخرج الاحتجاج على الرسل عليهمالسلام كما تفعل المعتزلة ثم بين تعالى أنه إنما أنكر أيضا تكذيبهم رسله بقوله تعالى : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة الأنعام : ١٤٨] بالذّال المشددة بلا خلاف من القرّاء ، ودعواهم أن الله تعالى حرّم ما ادعوا تحريمه وهم كاذبون ، بقوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) [سورة الأنعام آية رقم ١٥٠].
فوضح بكل ما ذكرنا بطلان قول المعتزلة والجهال وبان صحة قولنا أن الله تعالى شاء كل ما في العالم من إيمان وشرك وهدى وضلال وأن الله تعالى أراد كون ذلك كله وكيف يمكن أن ينكر تعالى قولهم لو شاء الله ما أشركنا وقد أخبرنا عزوجل هذا نصا في قوله في السورة نفسها : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) [سورة الأنعام ١٠٥ ، ١٠٦] فلاح يقينا صدق ما قلنا من أنه تعالى لم يكذبهم في قولهم لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء وهذا مثل ما ذكر الله تعالى من قولهم (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) [سورة يس : ٤٧] فلم يورد الله عزوجل قولهم هذا تكذيبا له بل صدقوا في ذلك بلا شك ولو شاء الله لأطعم الفقراء والمجاويع.
وما نرى المعتزلة تنكر هذا وإنما أورد الله تعالى قولهم هذا لاحتجاجهم به في الامتناع من الصدقة وإطعام الجائع وبهذا نفسه احتجت المعتزلة على ربها ، إذ قالت يكلفنا ما لا يقدرنا عليه ، ثم يعذبنا بعد ذلك على ما أراد كونه منا ؛ فسلكوا مسلك القائلين لم كلفنا الله عزوجل إطعام هذا الجائع ولو أراد إطعامه لأطعمه ...؟
قال أبو محمد : تبا لمن عارض أمر ربه تعالى واحتج عليه بل لله الحجة البالغة ولو شاء لأطعم من ألزمنا إطعامه ، ولو شاء لهدى الكافرين فآمنوا ، ولكنه تعالى لم يرد ذلك بل أراد أن يعذب من لا يطعم المسكين ومن أضله من الكافرين لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقالت المعتزلة : معنى قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [سورة الأنعام : ٣٥] وسائر الآيات التي تلوتم إنما هو لو شاء عزوجل لاضطرهم إلى الإيمان فآمنوا مضطرين فكانوا لا يستحقون الجزاء بالجنة.
قال أبو محمد : وهذا تأويل جمعوا فيه بلايا جمّة أولها : أنه قول بلا برهان ودعوى بل دليل وما كان هكذا فهو تناقض ويقال لهم : ما صفة الإيمان الضروري الذي لا يستحق عليه الثواب عندكم وما صفة الإيمان غير الضروري الذي يستحق به الثواب عندكم؟ فإنهم لا يقدرون على فرق أصلا إلا أن يقولوا بمثل ما قال الله عز