الخروج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [سورة التوبة آية رقم ٤٧].
فلهذا ثبطهم.
قلنا : لا عليكم ، أكانوا مأمورين بالخروج معه عليهالسلام متوعدين بالنار إن قعدوا بغير عذر ، أم كانوا غير مأمورين بذلك؟ فإذ لا شك في أنهم كانوا مأمورين فقد ثبطهم الله عزوجل عما أمرهم به ، وعذّبهم على ذلك ، وخلق قعودهم عمّا أمرهم به.
ثم نقول لهم : أكان تعالى قادرا على أن يكف عن أهل الإسلام خبالهم وفتنتهم لو خرجوا معهم أولا؟
فإن قالوا : لم يكن قادرا على ذلك عجّزوا ربّهم تعالى ، وإن قالوا إنه تعالى كان قادرا على ذلك رجعوا إلى الحق وأقروا أن الله تعالى ثبّطهم ، وكره كون ما افترض عليهم ، وخلق قعودهم الذي عذّبهم عليه ، ولا مهم عليه كما شاء لا معقّب لحكمه ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : فإذ جاءت النصوص كما ذكرنا متظاهرة لا تحتمل تأويلا بأنه عزوجل أراد ضلال من ضل وشاء ، وكفر من كفر ـ فقد علمنا ضرورة أن كلام الله تعالى لا يتعارض ، فلما أخبر عزوجل أنه لا يرضى لعباده الكفر فبالضرورة علمنا أن الذي نفى عزوجل هو غير الذي أثبت. فإذ لا شك في ذلك ، فالذي نفى تعالى هو الرضا بالكفر ، والذي أثبت هو الإرادة لكونه والمشيئة لوجوده ، وهما معنيان متغايران بنص القرآن وحكم اللغة.
فإن أبت المعتزلة من قبول قول كلام ربهم ، وكلام نبيهم صلىاللهعليهوسلم ، وكلام إبراهيم ويوسف وشعيب ، وسائر الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم ، وأبت أيضا من قبول اللغة ، وما أوجبته البراهين الضرورية ممّا شهدت به الحواسّ والعقول من أنّ الله تعالى لو لم يرد كون ما هو موجود كائن لمنع منه ، وقد قال تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) [سورة الأعراف : آية رقم ٩٢].
فشهد الله تعالى بتكذيبهم ، واستعاضته من ذلك بأصول المنّانية أن الحكيم لا يريد كون الظلم ، ولا يخلقه ، (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [سورة البقرة آية رقم ١٠٢].
ولقد لجأ بعضهم إلى أن قال : إن لله تعالى في هذه الآيات معنى ومرادا لا نعلمه.