كل ذلك وأراد كونه ، وقال عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [سورة البقرة آية رقم ٢٥٨].
فهذا نصّ على أن الله آتى الملك ذلك الكافر ، فصح يقينا أن الله تعالى فعل تمليكه وملكه على أهل الإيمان ، ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن ذلك يسخط الله عزوجل ، ويغضبه ولا يرضاه ، وهو نفس الذي أنكرته المعتزلة ، وشنعت به.
قال أبو محمد : ونسألهم عما مضت الدنيا عليه منذ كانت من أولها إلى يومنا هذا من النصر النازل على ملوك أهل الشرك ، والملوك الجورة ، والظلمة ، والغلبة المعطاة لهم على من ناوأهم من أهل الإسلام ، وأهل الفضل ، واخترام (١) من أرادهم بالموت أو باضطراب الكلمة ، ويأتي النصر لهم بوجوه الظفر الذي لا شك في أن الله تعالى فاعله من إماتة أعدائهم من أهل الفضل ، وتأييدهم عليهم. وهذا ما لا مخلص لهم في أن الله تعالى أراد كونه وقال عزوجل : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) [سورة التوبة آية رقم ٤٦].
فنص تعالى نصّا جليا لا يحتمل تأويلا على أنه كره أن يخرجوا في الجهاد الذي افترض عليهم الخروج فيه مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقد كره تعالى كون ما أراد ونصّ على أنه ثبطهم عن الخروج في الجهاد ثم عذّبهم على التثبيط الذي أخبر تعالى أنه فعله. ونصّ تعالى على أنه قال (اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ). وهذا يقين ليس بأمر إلزام لأنّ الله تعالى لم يأمرهم بالقعود عن الجهاد مع رسوله صلىاللهعليهوسلم بل لعنهم وسخط عليهم إذ قعدوا ؛ فإذ لا شك في هذا فهو ضرورة أمر تكوين ، فصح أن الله تعالى خلق قعودهم المغضب له الموجب لسخطه ، وإذا نصّ تعالى على أمر فلا اعتراض لأحد عليه. وقال عزوجل : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [سورة التوبة آية رقم ٥٥].
وهذا نصّ جليّ على أنه عزوجل أراد أن يموتوا وهم كافرون ، وأنه تعالى أراد كفرهم ، والقاف من (تَزْهَقَ) مفتوحة بلا خلاف من أحد من القراء ، معطوفة على ما أراد الله عزوجل من أن يعذبهم بها في الدنيا ، «والواو» تدخل المعطوف في حكم المعطوف عليه بلا خلاف من أحد في اللغة التي بها خاطبنا الله تعالى.
قال أبو محمد : فإن قال قائل : فإن الله عزوجل قال في الّذين قعدوا عن
__________________
(١) اخترمته المنيّة : أخذته (المعجم الوسيط : ص ٢٣٠).