وهذا نصّ على أنه تعالى شاء أن يفعلوه ، إذ أخبر أنه لو شاء ألّا يفعلوه ما فعلوه وقال تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) [سورة الأنعام آية رقم ١٣٧].
فنص تعالى على أنه لو لم يشأ أن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ما أوحوه ولو شاء ألا يلبس بعضهم دين بعض ، وألا يقتلوا أولادهم ما لبس عليهم دينهم ، ولا قتلوا أولادهم ، فصحّ ضرورة أنه تعالى شاء أن يلبس دين من التبس دينه وأراد كون قتلهم أولادهم ، وأن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) [سورة النساء آية رقم ٩٠].
فصحّ يقينا أنه تعالى سلّط أيدي الكفار على من قتلوه من الأنبياء والصالحين وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [سورة الأنعام آية رقم ١٢٥].
فنص على أنه يريد هدى قوم فيهديهم ويشرح صدورهم للإيمان ، ويريد ضلال آخرين فيضلهم بأن يضيق صدورهم ويحرجها فكأنهم كلّفوا الصعود إلى السماء فيكفروا. وقال تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [سورة النحل آية رقم ١٢٧].
فنص تعالى على أن من صبر فصبره ليس إلّا بالله ـ فصحّ أن من صبر فإن الله آتاه الصبر ، ومن لم يصبر فإن الله عزوجل لم يؤته الصبر. وقال تعالى : (وَلا تَنازَعُوا) [سورة الأنفال : ٤٦] فنهانا عن الاختلاف. وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [سورة هود آية رقم ١١٩].
فنص تعالى أنه خلقهم للاختلاف إلّا من رحم الله منهم ، ولو شاء لم يختلفوا فصحّ يقينا أن الله خلقهم لما نهاهم عنه من الاختلاف وأراد كون الاختلاف منهم. وقال عزوجل : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة آل عمران آية رقم ٣٦].
وقال تعالى : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) [سورة الإسراء : آية رقم ٥] إلى قوله تعالى : (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [سورة الإسراء آية رقم ٧].
فنص تعالى على أنه أغرى الكفار وسلب المؤمنين في الملك ، وأنه بعث أولئك الذين دخلوا المسجد ، ودخلوه مسخطين لله تعالى بلا شك. فصح يقينا أنه تعالى خلق