فنصّ تعالى على أنه لو شاء لم يقتتلوا ، فوجب ضرورة أنه شاء وأراد أن يقتتلوا وفي اقتتال المقتتلين ضلال بلا شك ، فقد شاء الله تعالى كون الضلال ووجوده بنص كلامه تعالى ، وقال عزوجل : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [سورة المائدة آية رقم ٤١].
فنص تعالى على أنه أراد فتنة المفتتنين ، وهم الكفار وكفرهم الذين لم يملك لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الله شيئا ، فهذا نص على أن الله تعالى أراد كون الكفر من الكفار. وقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) [سورة المائدة آية رقم ٤١].
قال أبو محمد : وهذا غاية البيان في أنه تعالى لم يرد أن يطهر قلوبهم وبالضرورة ندري أن من لم يرد الله أن يطهر قلبه فقد أراد فساد دينه الذي هو ضد طهارة القلب ، وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [سورة الأنعام آية رقم ٣٥].
وهذا غاية البيان في أنّ الله تعالى لم يرد هدى الجميع ، وإذ لم يرد هداهم فقد أراد كون كفرهم الذي هو ضدّ الهدى ، وقال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [سورة السجدة آية رقم ١٣].
قال أبو محمد : هذا غاية البيان في أنه تعالى لم يشأ هدى الكفار لكن حق قوله بأنّهم لا بدّ من أن يكفروا فيكونوا من أهل جهنم. وقال تعالى : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الأنعام آية رقم ٣٩].
فأخبر تعالى أنه شاء أن يضل من أضله ، وشاء أن يهدي من جعله على صراط مستقيم ، وهم بلا شك غير الذين لم يجعلهم على صراط مستقيم ، وأراد فتنتهم وألّا يطهر قلوبهم ، وأن يكونوا من أصحاب النار ، نعوذ بالله من ذلك. وقال تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) [سورة الأنعام آية رقم ٧٧].
فشهد الخليل عليهالسلام أن من لم يهده الله تعالى ضلّ. وصحّ أن من ضلّ لم يهده الله عزوجل ، ومن لم يهده الله وهو قادر على هداه فقد أراد ضلاله وإضلاله ، ولم يرد هداه.
وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) [سورة الأنعام آية رقم ١٠٧].
فصح يقينا لا إشكال فيه أن الله تعالى شاء أن يشركوا إذ نص على أنه لو شاء ألا يشركوا ما أشركوا. وقال تعالى : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) [سورة الأنعام آية رقم ١١٢].