هدى المؤمنين وأراده ، وكذلك قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [سورة فصلت : آية رقم ٤٤].
قال أبو محمد : فنص تعالى على أنه نزل القرآن هدى للمؤمنين ، وعمى للكفار ، وبيقين ندري أنه تعالى إذ أنزل القرآن أراد أن يكون كما قال تعالى : عمى للكفار ، وهدى للمؤمنين وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [سورة يونس آية رقم ٩٩ ، ١٠٠].
هكذا هي الآية كلها موصولة بعضها ببعض فنص تعالى على أنه لو شاء لآمن الناس والجن ، وهم أهل الأرض كلهم ، و «لو» في لغة العرب التي بها خاطبنا الله عزوجل ليفهمنا حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ، فصحّ يقينا أن الله تعالى لم يشأ أن يؤمن كل من في الأرض ، وإذ لا شك في ذلك فباليقين ندري أنه شاء منهم خلاف الإيمان وهو الكفر والفسق لا بدّ ، ولو كان الله تعالى أذن للكافرين بالإيمان على قول المعتزلة لكان كل من في الأرض قد آمن ، لأنه تعالى قد نص على أنه لا يؤمن أحد إلا بإذنه ، وهذا أمر من المعتزلة يكذبه العيان ، فصح أن المعتزلة كذبت ، وأن الله تعالى صدق ، وأنه لم يأذن قط لمن مات كافرا بالإيمان ، وأن من عمي عن هذه لأعمى القلب وكيف لا يكون أعمى القلب ، من أعمى الله قلبه عن الهدى؟ وبالضرورة ندري أن قول الله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) حق ، وأنّ من لم يأذن الله تعالى له في الإيمان فإنه تعالى لم يشأ أن يؤمن ، وإذ لم يشأ أن يؤمن فبلا شك أنه تعالى شاء أن يكفر ، هذا ما لا انفكاك منه. وقال تعالى : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [سورة الأنعام آية رقم ١١١].
فبين تعالى أتمّ بيان على أنّ الآيات لا تغني شيئا ولا النذر ، وهم الرسل ، وأنه لا يؤمن شيء من ذلك إلا من شاء الله عزوجل أن يؤمن ـ فصح يقينا أنه لا يؤمن إلّا من شاء الله إيمانه ، ولا يكفر إلّا من شاء الله كفره ، فقال تعالى حاكيا عن يوسف عليهالسلام أنه قال : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) [سورة يوسف آية رقم ٣٣].
فبالضرورة نعلم : أن من صبا وجهل فإنّ الله تعالى لم يصرف عنه الكيد الذي