عبيده وإمائه يفجر بهم وبهنّ طوعا وكرها والسيّد حاضر يرى ويسمع ، وهو قادر على المنع من ذلك فلا يفعل بل لا يقنع بتركهم حتّى يعطي عدوّه القوة على كل ذلك ، والآلات المعينة له ، ويمده بالقوى شيئا بعد شيء فليس حكيما ، ولا حليما ، ولكنه عابث ظالم جائر ، فيلزمهم على أصلهم الفاسد أن يحكموا على الله تعالى بكل هذا لأنهم معترفون بأنه تعالى فعل كل هذا وهذا لا يلزمنا لأننا نقول : إن الله تعالى يفعل ما يشاء ، وأن كلّ ما فعل مما ذكرنا وغيره فهو كله منه تعالى حكمة ، وحق ، وعدل «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون».
فبطل بضرورة المشاهدة قولهم : إن الله تعالى لم يرد كون الكفر ، أو كون الفسق ، أو كون شتمه تعالى ، وقتل أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، ولو لم يرد كونه لمنع من ذلك كما منع من كون كل ما لم يرد أن يكون.
قال أبو محمد : ويكفي من هذا كله اجتماع الأمة على قول «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن». فهذا على عمومه موجب أن كل ما في العالم كان أو يكون ـ أيّ شيء كان فقد شاءه الله تعالى ، وكل ما لم يكن ولا يكون فلم يشأه الله تعالى.
وقد نص الله تعالى نصّا لا يحتمل تأويلا على أنه تعالى أراد كون كل ذلك ، فمن ذلك قوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [سورة التكوير آية رقم ٢٨ ، ٢٩].
فنصّ تعالى نصّا جليا على أنه لا يشاء أحد استقامة على طاعته تعالى إلّا إن شاء الله تعالى أن يستقيم ، فلو صحّ قول المعتزلة : أنّ الله تعالى شاء أن يستقيم كل مكلف لكان بنص القرآن كل مكلف مستقيما ، لأن الله تعالى عندهم قد شاء ذلك ، وهذا تكذيب مجرّد لله تعالى ، نعوذ بالله من مثله. فصح يقينا لا مدخل للشك في صحته أنه تعالى شاء خلاف الاستقامة منهم ، ولم يشأ أن يستقيموا بنص القرآن ، وقال تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة المدثر آية رقم ٣١].
قال أبو محمد : وهذه الآية غاية في البيان في أنّ الله تعالى جعل عدة ملائكة النار فتنة للذين كفروا ، وليقولوا : ما ذا أراد الله بهذا مثلا ، فأخبر تعالى : أنه أراد أن يفتن الذين كفروا ، وأن يضلهم فيضلوا ، وأنه تعالى قصد إضلالهم وحكم بذلك كما قصد