على خاطره وعلى المنع من قتل من قتل من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام أم كان عاجزا عن المنع من ذلك؟
فإن قالوا : لم يكن قادرا على المنع من شيء من ذلك ، فقد أثبتوا له معنى العجز ضرورة ، وهذا كفر مجرد ، وإبطال لألوهيته تعالى ، وقطع عليه بالضعف والنقص وتناهي القوة ، وانقطاع القدرة ، مع التناقض الفاحش ، لأنهم مقرون أنه تعالى هو أعطاهم القوة التي بها كان الكفر والفسق ، وشتمه تعالى ، وقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فمن المحال المحض أن يكون تعالى لا يقدر على ألّا يعطيهم الذي أعطاهم وهذه صفة المضطر المجبر.
وإن قالوا : بل هو قادر على منعهم من كل ذلك أقروا ضرورة أنه مريد لبقائهم على الكفر ، وأنه المبقي للكافر وللكفر ، وخالق الزمان الذي امتدّ فيه الكافر على كفره ، والفاسق على فسقه ، وهذا نفسه هو قولنا : إنه أراد كون الكفر والفسق والشتم له وقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولم يرض عن شيء من ذلك ، بل سخطه تعالى وغضب على فاعله.
وقالت المعتزلة : إن كان الله تعالى أراد كون كل ذلك فهو إذا يغضب مما أراد.
قال أبو محمد : ونحن نقرأ أنه تعالى يغضب على فاعل ما أراد كونه منه ، ثم نعكس عليهم هذا السؤال بعينه فنقول لهم :
فإذ هذا عندكم منكر ، وأنتم مقرّون بأنه قادر على المنع منه فهو عندكم يغضب مما أقرّ ، ويسخط ما يقرّه ولا يغيّره ، ويثبت ما لا يرضى ، وهذا هو الذي شنّعوا فيه ، ولا يقدرون على دفعه ، والشناعة عليهم راجعة لأنهم أنكروا ما لزمهم وبالضرورة ندري أن من قدر على المنع من شيء فلم يفعل ولا منع منه فقد أراد وجود كونه ، ولو لم يرد كونه لغيره ، ولمنع منه ، ولما تركه يفعل.
فإن قالوا : إنه حكيم ، وخلّاهم دون منع لسرّ من الحكمة له في ذلك.
قيل لهم : فاقنعوا بمثل هذا الجواب ممن قال لكم : إنه أراد كونه لأنه حكيم كريم عزيز ، وله في ذلك سرّ من الحكمة.
قال أبو محمد : وأمّا نحن فنقول : إنه تعالى أراد كون كلّ ذلك ، ولا سرّ هاهنا ، وأن كل ما فعل فهو حكمة وحق ، وأن قولهم هذا هادم لمقدّمتهم الفاسدة أنه يقبح من الباري تعالى ما يقبح منّا ، وفيما بيننا ، وما علم قط ذو عقل أن من خلّى منا عدوّه منطلق اليد على وليّه وأحبّ الناس إليه يقتله ويعذّبه ويلطمه ويهينه ، ويتركه ينطلق على