وقال بعض أصحابنا معنى هذه الآية : أنه تعالى خلقهم ليأمرهم بعبادته ، ولسنا نقول بهذا ، لأن فيهم من لم يأمره الله تعالى قط بعبادته ، كالأطفال والمجانين ، فصار تخصيصا للآية بلا برهان ، والذي قلناه هو الحق لا شك فيه ، لأنه المشاهد المتيقّن العامّ لكل واحد منهم.
وأمّا ظن المعتزلة في هذه الآية فباطل يكذبه إجماعهم معنا أن الله تعالى لم يزل يعلم أن كثيرا منهم لا يعبدونه ، فكيف يجوز أن يخبر أنه خلقهم لأمر قد علم أنه لا يكون منهم ، إلّا أن يصيروا إلى قول من يقول : إنه تعالى لا يعلم الشيء حتى يكون ، فيتم كفر من لجأ إلى هذا ، ولا يخلصون مع ذلك من نسبة العبث إلى الخالق تعالى إذ غرّر من خلق فيما لا يدري أيعطبون فيه أم يفوزون؟ وتحيّرت المعتزلة القائلون بالأصلح وبإبطال المحاباة في وجه العدل في ستة عشر بابا وهي : العدل في إدامة العذاب ، العدل في إيلام الحيوان ، العدل في تبليغ من في المعلوم أنه يكفر ، العدل في المخلوق ، العدل في إعطاء الاستطاعة ، العدل في الإرادة ، العدل في البدل ، العدل في الأمر ، العدل في عذاب الأطفال ، العدل في استحقاق العذاب ، العدل في المعرفة ، العدل في إخلاف أحوال المخلوقين ، العدل في اللطف ، العدل في الأصلح ، العدل في نسخ الشرائع ، العدل في النبوة.