فليت شعري في أي حكمة وجدوا فيما بينهم أو بيننا أو في أي عدل خلق من يكون أكثرهم مخلدين في جهنم على أصول هؤلاء الجهال.
وأما نحن فإنه لو عذب أهل السماوات كلهم وجميع من عمر الأرض لكان عدلا منه وحقا له وحكمة منه ، ولو لم يخلق النار وأدخل كل من خلق الجنة لكان حقا منه وعدلا وحكمة منه لا عدل ولا حكم ولا حق إلا ما فعل وما أمر به.
قال أبو محمد : ولجأ قوم منهم إلى أن قالوا إن الله تعالى لم يعلم من يكفر ولا من يؤمن وأقروا أنه لو علم من يموت كافرا لكان خلقه له جورا وظلما.
قال أبو محمد : وهؤلاء أيضا مع عظيم ما أتوا به من الكفر في تجهيل ربهم تعالى فلم يخلصوا مما ألزمهم أصحابنا ، لأنه ليس من الحكمة خلق من لا يدري أيموت كافرا فيعذبه أم لا ، وهذا هو التغرير بمن خلق وتعريضهم للهلكة على جهالة ، وهذا ليس من الحكمة ولا من العدل فيما بيننا لمن يمكنه أن لا يغرر ، وقد كان الباري تعالى قادرا على أن لا يخلق كما قد كان تعالى لم يزل لا يخلق ثم خلق إلا أن يلجئوا إلى أنه تعالى لا يقدر على أن لا يخلق ، فجعلوه مضطرا ذات طبيعة غالبة ، وهذا كفر مجرد محض ، ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وإذا أقرت المعتزلة أن أطفال بني آدم كلّهم أولاد المشركين وأولاد المسلمين في الجنة دون عذاب ولا تقرير تكليف ، فقد نسوا قولهم الفاسد أن العقل أفضل من عدمه ، بل ما نرى السلامة على قولهم وضمانها والحصول على النعيم الدائم في الآخرة بلا تقرير إلا في عدم العقل ، فكيف فارقوا هذا الاستدلال؟
وأما نحن فنقول : إن من أسعده الله تعالى من الملائكة فلم يعرضهم لشيء من الفتن أعلى حالا من كل خلق غيرهم ، ثم بعدهم الذين عصم الله تعالى من النبيين عليهم الصلاة والسلام وأمنهم من المعاصي ، ثم من سبقت لهم من الله تعالى الحسنى من مؤمني الجن والإنس الذين لا يدخلون النار ، والحور العين اللاتي خلقن لأهل الجنة ، على أن لهؤلاء المذكورين حاشا الحور العين حالة من الخوف طول بقائهم في الدنيا ، ثم يوم الحشر في هول المطلع وشنعة ذلك الموقف الذي لا يفي به شيء إلا السلامة منه ، ولا يهنأ معه عيش حتى يخلص منه ، وقد تمنّى كثير من الصالحين العقلاء الفضلاء أن لو كانوا نسيا منسيا في الدّنيا ولا يعرّضوا لما عرضوا له ، على أنهم قد أمنوا بالضمان التام الذي لا يبخس ، ولقد أصابوا في ذلك ، إذ السلامة لا يعدلها شيء إلا عند عقول المعتزلة القائلين إن الثواب والنعيم بعد الضرب بالسياط والضغط بأنواع