إنه لو جناه علي ـ أعني الشيب ـ غير الله تعالى الذي لا يغالب ولا يمانع لما أطعته ولا أنقدت له. وهذه غاية التعزز والافتخار.
فإن قيل : كيف سمى ما يفعله الله تعالى بأنه جناية ، وهذه اللفظة لا تستعمل في المتعارف إلا في ما كان قبيحا.
قلنا : سميناه بهذا الاسم استعارة وتجوزا ليطابق ويجانس قولي " ولو جنته يد ما كنت طائعها " ، وله نظائر كثيرة في القرآن والشعر ، قال الله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (١) و" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (٢).
* * *
ولي في التسلية عن الشيب والاعتذار بحلوله ، وهي قطعة مفردة :
أماوي إن كان الشباب الذي انقضت |
|
لياليه عني شاب منك صفاء |
فما الذنب لي في فاحم حال لونه |
|
بياضا وقد حال الظلام ضياء |
وما إن عهدنا زائلا حان فقده |
|
وإن كان موقوفا أزال أخاء |
ولو كان في ما يحدث الدهر حيلة |
|
أبيت على هذا المشيب إباء |
فلا تنكري لونا تبدلت غيره |
|
كمستبدل بعد الرداء رداء |
فإني على العهد الذي تعهدينه |
|
حفاظا لما استحفظتني ووفاء |
مشيب كفتق الليل في مدلهمة |
|
أتاك يقينا أو أزال مراء |
كأن الليالي عنه لما رمينني |
|
جلون صداء أو كشفن غطاء |
فلا تجعلي ما كان منك من الأذى |
|
عقابا لما لم آته وجزاء |
وعدي بياض الرأس بعد سواده |
|
صباحا أتى لم أجنه ومساء |
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٠.
(٢) سورة البقرة : ١٩٤.