٢. وقال تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ). (١)
والاستدلال بالآيتين مبني على أمرين :
الأوّل : انّ صيغة «وما كنّا» أو «وما كان» تستعمل في إحدى معنيين : إمّا نفي الشأن والصلاحية لقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢) ، أو نفي الإمكان كقوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً). (٣)
الثاني : انّ بعث الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) كناية عن إتمام الحجّة على الناس ، وبما انّ الرسول أفضل واسطة للبيان والإبلاغ أُنيط التعذيب بالرسول ، وإلّا يصحّ العقاب ببعث غيره أيضاً لوحدة المناط وحصول الغاية المنشودة.
وعلى ضوء ذلك : فلو لم يبعث الرسول بتاتاً ، أو بعث ولم يتوفق لبيان الأحكام أبداً ، أو توفق لبيان البعض دون البعض الآخر ، أو توفق للجميع لكن حالت الحواجز بينه وبين بعض الناس ، لقبح العقاب إلّا من وصل إليه التكليف ، وذلك لاشتراك جميع الصور في عدم تمامية الحجة.
والمكلف الشاك في حكم من الأحكام كالحرمة والوجوب من مصاديق القسم الأخير ، فإذا لم يصل إليه البيان لا بالعنوان الأوّلي ولا بالعنوان الثانوي كإيجاب الاحتياط ، ينطبق عليه قوله سبحانه : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) أي نُبيّن الحكم والوظيفة.
__________________
(١) (القصص : ٥٩.)
(٢) (البقرة : ١٤٣.)
(٣) آل عمران : ١٤٥.