الإجماع فليس من
باب السنّة ، وإن كان الغرض ما جرى العمل عليه في عهدهم ، وإن لم يتّفقوا عليه ، فهذا
ليس بدليل شرعي يتقيّد به المجتهد.
وقد يقال : أنّه
عند الاختلاف لا تخرج سنتهم عن كونها حجّة في نفسها كأخبار الآحاد والنصوص الظاهرة
، وعلى هذا يكون سنّة قولاً وفعلاً في غير موضع الإجماع منهم ، تعدّ سنّة كخبر
الآحاد فيعوّل عليها ويرجع إليها كحجّة ظنية. وهذا المعنى مأخوذ من كلام الآمدي في
مذهب الصحابة.
يلاحظ
عليه : أنّ قياس رأي
الصحابة وسنّتهم ، على خبر الواحد ، قياس مع الفارق ، فإنّ الثاني يروي عن المعصوم
ويسنده إليه ، فيدخل في باب السنّة المحكية بواسطة الثقة ، بخلاف سنّة الصحابي ، فهي
مرددة بين النقل عن المعصوم ، والاستنباط عن الكتاب والسنّة ، ومع هذا التردد كيف
يجوز للمجتهد أن يأخذ بها ، إذ لو كان رأي الصحابي لا يكون حجّة عليه.
على أنّك قد عرفت
أنّ الأصل في الظن هو عدم الحجّية ، والشكّ فيها يساوق القطع بعدمها ، فكيف يُؤخذ
بهذا الظن مع عدم دليل دالّ عليه.
الدليل
الرابع : ما جاء في
الأحاديث من إيجاب محبّتهم وذم من أبغضهم ، وانّ من أحبّهم فقد أحبّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة والسلام ، وما
ذاك من جهة كونهم رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط ، إذ لا مزية في ذلك ، وإنّما هو
لشدة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنّته ، مع حمايته ونصرته ، ومن كان
بهذه المثابة حقيق أن يتّخذ قدوة ، وتجعل سيرته قبلة ، ولما بالغ مالك في هذا
المعنى بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستنّ بسنّتهم جعله الله تعالى
قدوة لغيره في ذلك ، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره
__________________