الله سبحانه بقوله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) فهذا النوع من التخفيف كان جزاءً له على صبره ، وتخفيفاً عن امرأته ورحمة بها.
ولو كان هذا الحكم عامّاً لما خفي على أيوب وهو نبيّ من أنبيائه سبحانه ، وسّع الله صدره بالعلم.
وبذلك يظهر الفرق بين المقام وتحيّل بني إسرائيل ، فانّ احتيال بني إسرائيل كان لغاية سخيفة محرّمة وهي صيد الحيتان ، وهذا بخلاف المقام فهو احتيال من أجل الرحمة والإنسانية وليس احتيالاً على الحقّ والإنسانية.
وحاصل الكلام : أنّه من خصائص أيّوب (عليهالسلام) لا يعدوه إلى غيره وما ذلك إلّا لكونه تخفيفاً من الله.
وما ربما يقال من أنّ الخصوصية لا تثبت إلّا بدليل (١) ، وإن كان صحيحاً ، ولكن الدليل على الخصوصيّة هو التعليل الوارد في الآية. أعني : صبره وحسن عبوديته.
٢. وقوله سبحانه : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ). (٢)
حيث أمر يوسف (عليهالسلام) بجعل صواع الملك في رحل أخيه ليتوصّل بذلك إلى أخذه وكيد إخوته.
يلاحظ عليه (٣) : أنّ يوسف توصّل بالحلال إلى الحلال ، وهو أخذ الأخ ولم يكن غير راض بذلك في الواقع ، كما لم يكن قصده بذلك إيذاء إخوته ولا إيذاء أبيه.
__________________
(١) (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي : ٤٩١ / ٢.)
(٢) (يوسف : ٧٠.)
(٣) إعلام الموقعين : ٢٢٤ / ٣.