الزّاهد الشّاميّ ، ثمّ الهكّاريّ (١) سكنا ، وذكره الحافظ عبد القادر فسمّاه عديّ بن صخر الشّاميّ ، وقال : ساح سنين كثيرة ، وصحب المشايخ ، وجاهد أنواعا من المجاهدات. ثمّ إنّه سكن بعض جبال الموصل في موضع ليس به أنيس ، ثمّ آنس الله تلك المواضع به ، وعمّرها ببركاته حتّى صار لا يخاف أحد بها بعد قطع السّبيل ، وارتدع جماعة من مفسدي الأكراد ببركته. وعمّره الله حتّى انتفع به خلق ، وانتشر ذكره (٢).
وكان معلّما للخير ، ناصحا ، متشرّعا ، شديدا في أمر الله ، لا تأخذه في الله لومة لائم.
عاش قريبا من ثمانين سنة (٣) ما بلغنا أنّه باع شيئا قطّ ، ولا اشترى ، ولا تلبّس بشيء من أمر الدّنيا.
كانت له غليلة يزرعها بالقدّوم في الجبل ويحصدها ، وصار يتقوّت منها. وكان يزرع القطن ويكتسي منه. ولا يأكل من مال أحد شيئا ، ولا يدخل منزل أحد. وكان يجيء إلى الموصل فلا يدخلها.
وكان له أوقات لا يرى فيها محافظة على أوراده. وقد طفت معه أيّاما في سواد الموصل ، فكان يصلّي معنا العشاء ، ثمّ لا نراه إلى الصّبح. ورأيته إذا أقبل إلى القرية يتلقّاه أهلها من قبل أن يسمعوا كلامه تائبين ، رجالهم ونساؤهم ، إلّا من شاء الله منهم. ولقد أتينا معه على دير فيه رهبان ، فتلقّاه منهم راهبان ، فلمّا وصلا إلى الشّيخ كشفا رأسيهما وقبّلا رجليه وقالا : ادع
__________________
= الزاهرة ٥ / ٢٦١ ، والطبقات الكبرى للشعراني ١ / ٨١ ، وشذرات الذهب ٤ / ١٧٩ ، وجامع كرامات الأولياء للنبهاني ٢ / ١٤٧ ، وهدية العارفين ١ / ٦٦٢ ، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق ٢ ج ٢ / ٣١٣ ، ٣١٤ رقم ٦٦٩ ، والأعلام ٥ / ١١ ، وفهرس دار الكتب المصرية ٢ / ٧٢.
(١) الهكّاري : نسبة إلى جبل الهكارية من أعمال الموصل.
(٢) الكامل ١١ / ٢٨٩.
(٣) في تاريخ إربل ١ / ١١٤ عاش تسعين سنة.