وأنشد قولَ جَرِير
قالَ العَوَاذِلُ ما لِجَهْلِكَ بعْدَ ما |
|
شابَ المَفَارِقُ واكْتَسَيْنَ قَتِيرًا |
وأمّا قولُهم أُصَيْلالٌ ففيه شُذُوذ من ثلاثةِ أوجهٍ أحدُها أنه أبدَل اللامَ من النُّون فى أُصيْلانٍ وأُصَيْلانٌ تصغِيرُ أُصْلانٍ وأُصْلانٌ جَمعُ أَصِيلٍ كما تقول رَغِيف ورُغْفَانٌ وقَفِيزٌ وقُفْزانٌ وفُعْلانٌ من أبنِيَة الجمعِ الكثيرِ الذى لا يُصَغَّر لفْظُه وانما يُرَدُّ الى واحدِه ألا تَرَى أنا لو صَغَّرنا سُودانٌ وحُمْرانٌ وقُضْبان لم يجُزْ أن تقولَ قُضَيْبانٌ وانما تقُول قُضَيِّبات فتردُّه الى واحدِه وهو قَضِيب فتصغِّرُه قُضَيِّب ثم تدخِلُ عليه الألِفَ والتاءَ للجمع وكان حَقُّ أَصِيل اذا صُغِّر أن يقال أُصَيِّل على لفظ الواحد فصار فيه من الشُّذُوذ نَقْلُ لفظِ الواحدِ الى الجمع وتصغيرُ الجمعِ الذى لا يصغَّر مثلُه وإبدالُ اللامِ من النُّون ثم ذكر سيبويه غُدْوَةً وسَحَرا وضُحًى وتصغِيرَهنّ على ما يوجِبُه القياسُ ليُرِيَك أنه من غير بابِ مُغَيْرِبانٍ وعُشَيَّانٍ فقال تحقيرُها غُدَيَّة وسُحَيْرا وضُحَيًّا وأنشد قولَ النابغة الجَعْدِىِ
كأنّ الغُبَارَ الذِى غادَرَتْ |
|
ضُحَيًّا دَواخِنُ من تَنْضُبِ |
وبَيَّن أن تصغِيرَ هذِه الأحْيانِ والساعاتِ ليْست تُرِيد بها تحقِيرَها في نَفْسِها وانما تريد أن تُقَرِّب حِينًا من حِينٍ وتُقَلّلِ الذى بيْنهما كما فَعلْتَ ذلك في الأَماكِن حِينَ قلتَ دُوَيْنَ ذاكَ وُفَوْيَق ذاك وقد مَضَى ذلك ومضى الكلامُ في قَبلُ وبَعْدُ ونحو ذلك ومما يحقَّر على غير بناء مُكَبَّره المستعمَل في الكَلامِ إنسانٌ تقُول فيه أُنَيْسِيانٌ وفي بَنُونَ أُبَيْنُونَ وفي لَيْلة لُيَيْلِيَة كما قالُوا لَيَالٍ وقولُهم في رَجُل ورُوَيْجِل أمّا أبَيْنُونَ فقد تقدَّم الكلامُ فيه قبل هذا الباب وأمّا أُنَيْسِيَانٌ فكأن الأصلَ إنْسِيانٌ على فِعْلِيَان وتصغيرُه أُنَيْسِيَانٌ ولُبَيْلية تقديره لَيْلاةٌ والألف زائدةٌ فاذا جمعْت قلْتَ لَيَالٍ واذا صغرت قلت لُيَيْلِيَة كما تقول في سِعْلاة سَعَالٍ وسُعَيْلِيَة وقولهم في رجُل رُوَيْجل أرادُوا راجِلاً لأنه يقال للرَّجُل راجِلٌ وان سَمَّيت رجُلا أو امرأةً بشئٍ من ذلك ثم صغَّرْته جَرَى على القِياسِ فقلت في إِنْسانٍ أُنَيْسانٌ وفي لَيْلة لُييْلة وفي رجُل رُجَيْل
ومن الشُّذوذ قولُهم في صِبْيةٍ أُصَيْبِةٌ وفي غِلْمة أُغَيْلِمةٌ كأنَّهم حقَّروا أَغْلمةً