الثالث : كون جميع الممكنات الواقعة بقدرة الله تعالى قديمة لأن المقارن (١) للأزلي أزلي بالضرورة.
فإن قيل : المعتزلة لا يقولون بالقدرة القديمة.
قلنا : لا ، بل إنما ينازعون في كونها صفة زائدة على الذات ، ولو سلم فيكون إلزاميا.
والجواب عن الأول بعد تسليم أن معنى (٢) تعلق القدرة الحادثة بالفعل إيجاده هو أن المستحيل إيجاد الموجود بوجود حاصل بغير هذا الإيجاد ، وأما بهذا الإيجاد فلا. وعن الثاني أن من يقول بكون القدرة مع الفعل لا يشترط في المكلف به أن يكون مقدورا بالفعل حال التكليف ، بل أن يكون جائز الصدور عن المكلف مقدورا له في الجملة كإيمان الكافر ، بخلاف خلق الأجسام ونحوه مما لا يصح تعلق قدرة العبد به أصلا ، وقريب من هذا ما يقال إن معنى كون المكلف به (٣) مشروطا بالقدرة أن يكون هو أو ضده متعلق القدرة ، وهاهنا قد (٤) تعلقت القدرة بترك الإيمان.
وعن الثالث بمنع الملازمة ، وإنما يتم لو كانت القدرة القديمة والحادثة متماثلتين ليلزم من كون الثانية مع الفعل لا قبله ، كون الأولى كذلك.
وقد يجاب بأن الكلام إنما هو في تعلق القدرة ، والأزلي إنما هو نفس
__________________
(١) المقارنة : عملية ذهنية تقوم على ربط موضوع بآخر برابط واحد لاستخلاص أوجه الشبه والاختلاف بينهما ، وقد يشمل هذا الربط موضوعين أو أكثر.
والقضية المقارنة في المنطق : هي القضية التي تدل على أن موضوعا من الموضوعات يتميز بحمل إحدى الصفات عليه بدرجة أكبر أو أصغر من درجة حملها على غيره.
والقضية المقارنة : قضية مركبة من قضيتين مثال ذلك قولنا : إن الألم شر ، وثانيتهما قولنا : إن هذا الشر أعظم الشرور ، والبرهان على القضية المقارنة يحتاج إلى البرهان على جزأيها.
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (معنى).
(٣) في (ب) بزيادة لفظ (به).
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (قد).