وعن الخامس : بأنّ عدم وصول خبره إليه مستبعد ؛ لوقوع الأسفار للتجارة غالبا ، على أنّا نقول : إنّه ينتقض بالنبوّة ، فجواب المعتزلي عنها جوابنا هنا ، وعلى تسليم الفرض نقول : يجب أن يكون له رئيس ويظهر من الجواب الآتي زيادة هنا.
وعن السادس : بأنّا إذ نختار أنّه لطف مطلقا ، أمّا مع ظهوره فظاهر تمام لطفيته ، وأمّا حال الغيبة فنفس وجوده لطف في حفظ الشريعة وضبطها من الزيادة والنقصان ، وكذا في حقّ أوليائه المعتقدين له في قربهم من الواجبات وبعدهم عن المقبّحات ؛ إذ لا يؤمنون في كلّ وقت من تمكينه وظهوره عليهم ، وحينئذ يكون تمكينه وتصرفه شرطا في تمام لطفيته بل لطف آخر.
وفي الحقيقة اللطفية تمامها بأمور ثلاثة : الأوّل : منه تعالى وهو التمكين والتعيين ، وقد حصل. الثاني : منه عليهالسلام وهو تحمّل الإمامة وقيامه بأعبائها ، وقد حصل أيضا.
__________________
ـ قلت : كما أنّ الاستعمار عبّر عن العلماء المسلمين العرب برجال الدين ، وقد عبر عن أفراد العلماء المسلمين العجم ب «الروحاني» ويقصد به أنّه ليس لعلماء المسلمين التدخّل في أمور الحكومة والسياسة ، وليس لهم إلزامها بالعمل بالقوانين الإسلامية وصارت هذه الكلمة في التعبير عنهم شائعة بين الإيرانيين وأكثرهم لا يشعرون وجه ذلك ، وجمع من الغافلين يكتبون هذه الكلمة في مقالاتهم ، وفي بياناتهم ، كبعض الخطباء على المنابر.
وليعلم المسلم أنّ هذا الزعم الباطل ـ أعني فصل الدين عن الحكومة ـ قد راج بين المسلمين بيد المنتسبين إلى الإسلام ممّن لم يعرفوه حقّ معرفته ولم يقدروه حقّ قدره ، فتلقّفوا أفكار المستعمرين وأباطيلهم ولم يشعروا أنّه من أضاليلهم وأغاليطهم ، فإنّ السياسة بمعناها اللغوي الصحيح هو من حقّ الإسلام وحده ومن شئون دولتهم الكريمة ، والسياسة بمعنى الأمر والنهي من صميم رسالتهم الكبرى ، وبمعنى الحكم من صميم واقع الإسلام ، وبمعنى التدبير والتأدّب وإدارة أمور المسلمين ، تحكي ناحية مهمّة من نواحي تعاليم الإسلام الرشيدة وتشريعاته الفذّة.
وإن شئت أيّها القارئ الكريم تفصيل هذه الأهداف الشريفة فعليك بالرجوع إلى كتاب الفاضل المعاصر الذي أو عزنا إليه انظر ص ٣٧ ـ ٤٤ وانظر أيضا في هذه المسألة المهمّة إلى ما كتبه العلامة الجليل الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقا ـ نزيل القاهرة ـ في كتابه موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين ، ج ١ ، ص ١٦٢ ـ ١٦٥ وج ٤ ص ٢٨١ ـ ٢٩٥ وقد حقّق المسألة وأدى حقّها على مذاقه السنّي وصرّح في ذيل صفحة (٢٨٦ ج ٤) أنّ مسألة عدم جواز فصل الدين عن السياسة ترجع إلى مسألة وجوب نصب الإمام المعدودة من المسائل الكلامية ـ فراجع كلماته وطالع تلك المطالب العالية.