خلاف ما توقع ، صد وطرد ، استكبار وهزء ، وعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى مكة ، ولكنه لم يستطع أن يدخلها كما كان يدخلها سابقا ، مما اضطره لأن يدخلها في جوار أحد المشركين ، ألا وهو المطعم بن عدي.
فالتحدي على أشده ، والأذى في أوجه ، والمؤامرات تحاك من قبل سادة قريش ، لإيقاع الأذى ببعض المسلمين في هذه المرة ، بل للقضاء على الدعوة الجديدة بأسرها.
فلقد أخذت العزة بالإثم قريشا ، فأنفقت الأموال ، ورسمت الخطط ، وأعلنت العداء السافر ، وهددت بإبادة كل من يعتنق الدين الجديد.
في هذه الظروف الحرجة الصعبة من مسيرة الدعوة الجديدة ، وفي هذه الحالة التي تشبه ساعات ما قبل النهاية المحتومة ، بين قوي جبار عنيد ، وضعيف مضطهد مغلوب ، في هذه الحالة البائسة اليائسة في ميزان العقل المادي حينما ينظر إلى جوع المسلمين وفقرهم ، واضطهادهم وتعذيبهم ، وتشريدهم وقتلهم ، في هذه الحالة يخرج رسول الله ليقول قولة القوي المنتصر ، وهو في أوج سلطانه وذروة انتصاراته ، يخرج ليقول للمشركين ، وكأنه هو القوي وهم الضعفاء ، يخرج ليقول لهم : «لقد جئتكم بالذبح» .. وينزل قول الله تعالى ، ردا على خيلاء قريش وغرورها ، ينزل متهددا متوعدا ، ومعلنا لأغرب خبر يمكن للإنسان أن يسمعه في مثل هذه الحالة ... (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ).
وينزل قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ») (سورة الصافات : آية ١٧١ ـ ١٧٥).
وينزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، فَسَيُنْفِقُونَها ، ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ، ثُمَّ يُغْلَبُونَ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (سورة الأنفال : آية ٣٦).