تعالى : (مِنْ فَوْقِهِ) أي أن الموج الأول في الأسفل ، والموج الثاني يأتي من فوقه ، ولم نعد بحاجة إلى ارتكاب المجاز في قولنا : «من فوقه : أي من بعده ، وأن تتابع الموج يظهره كأن بعضه يركب بعضه الآخر».
إن الآية واضحة كل الوضوح ، وصريحة في دلالتها على هذا الذي اكتشفه العلم الحديث من الأمواج الباطنية التي تعلوها الأمواج السطحية ، ولا سيما أن الآية قالت : (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) أي عميق ، كما ذكرنا في تفسيرها ، وهذا إنما يكون في المحيطات ، لا على الشواطئ والخلجان.
وفي هذه الأماكن يقل وهج الشمس ، وفي نفس الوقت يجتمع السحاب ، وتنتج عن ذلك الظلمة التي أشار إليها القرآن في قوله : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ).
أي ظلمة الأمواج الداخلية ، وفوقها ظلمة الأمواج السطحية ، ومن فوقهما ظلمة الجو الناتج عن السحاب الكثير ، بحيث يصير الإنسان (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها).
إن هذه الصورة لا تشاهد على شواطئ بحارنا الهادئة الوادعة إذا ما قيست بمياه المحيطات ، ولو أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كان هو الذي ألف القرآن وأملاه لكان من المستحيل عليه أن يأتي بمثل هذه الحقائق العلمية التي كانت خافية إلى أيامنا هذه ، ولم تكن البشرية تعرف عنها شيئا.
إذن فهي الحقيقة المصدقة بأن هذا القرآن تنزيل من حكيم عليم.