وهذا الاضطراب أو
الخلاف ، لا نجده فقط في رواية الشعر ، بل نجده في متن اللغة ، وكتب التراث حينما
نحققها ، وربما اختلفت الأحكام ، وتغيرت المعاني بسبب اختلاف النسخ ، وضبط
الناسخين.
بل إننا نزيد على
ذلك ونقوله : إن الاختلاف بين الرواة في النقل ، بسبب جودة الحفظ أو رداءته ،
وبسبب الضبط وعدمه ، وبأسباب أخرى معروفة مضبوطة في علوم الحديث ـ أدى هذا إلى
الاختلاف في متن حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا سيما وقد أجاز المحدثون الرواية بالمعنى ، لمن عرف
العربية ، وأدرك المعاني والأحكام ، بضوابط رسموها في قواعد الرواية ، مما اضطر
العلماء إلى تصنيف قواعد الترجيح بين الروايات المختلفة عند تعارضها ، مما هو
معروف عند علماء الأصول.
لقد كان من
المتوقع لكل ذي عقل ، أن ينال القرآن ما ينال غيره من الكتب ، من الاختلاف
والاضطراب ، والتغيير والتبديل ، بين النّسخ ، وبين الأقاليم والأمم.
ولكن الله أراد أن
يطمئن رسوله والمؤمنين إلى أن هذا القرآن لن يكون كغيره من الكتب والمنقولات التي
تغيرت وتبدلت ، وذلك لأن تلك الكتب قد وكل حفظها إلى البشر ، ولذلك كان لا بد من
الاضطراب والاختلاف فيها ، وأما القرآن فقد تكفل الله بحفظه وبقائه.
ومرت الأيام ،
وتتابعت السنون والقرون ، ومر المسلمون في حالات من القوة والعزة والمنعة
والرفاهية ، كما مروا في حالات من البؤس والذل والهوان ، والقرآن رغم كل هذا لم
يتأثر ، بل لم يزدد إلا قوة وثباتا.
يقرؤه المسلم في
اليمن ، بنفس الصيغة والرسم اللذين يقرؤه بهما المسلم في الصين ، ويقرؤه المسلم في
أوروبا ، كما يقرؤه المسلم في أمريكا ، كما يقرؤه المسلم في إفريقيا ومكة المكرمة
أو المدينة المنورة ، أو الشام ، أو مصر.
صيغة واحدة ، ورسم
واحد ، لا زيادة فيه ولا نقص ، ولو بحرف واحد.