الشرح : لما دعاه إلى الاستمساك بالحق والثبات عليه والقتال دونه أراد أن يظهر شأن ذلك الحق ، وأنه جدير بكل تضحية تبذل في سبيله ، فذكر أن للحق عدة معان : منها أنه وصف للرب جل شأنه كما قال تعالى : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) [النور : ٢٥] ومنها أنه صراط الله الذي يهدي إليه من يشاء من عباده من أهل الإيمان والهدى كما قال تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) [يونس : ٣٥] وكما قال تعالى : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢١٣].
ومنها أن الحق هو الصراط الذي يخبر الله عن نفسه أنه عليه ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود : ٥٦] يعني في قوله تعالى وفعله ، فقوله صدق ورشد ونصح وهدى. وفعله حكمة وعدل ورحمة ومصلحة.
ثم ذكر من شأن الحق أيضا أنه منصور وأن العاقبة له ولكنه ممتحن ومبتلي بمناوأة الباطل وتشويشه ، وأن سنة الله قد جرت بذلك حتى يتميز حزب الله من حزب الشيطان ، وحتى تظل معركة الحق والباطل سجالا مستمرة بين رسل الله وبين أعدائهم من الكفار ثم تكون العاقبة للمتقين كما قال تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) [طه : ١٣٢] ، وكما قال تعالى على لسان موسى عليهالسلام : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] وهذه العاقبة ان فاتت أهل الحق في الدنيا فهي مدخرة لهم عند الله عزوجل يوافيهم بها يوم الدين وينتصف لهم من البغاة المعتدين.
* * *
واجعل لقلبك هجرتين ولا تنم |
|
فهما على كل امرئ فرضان |
فالهجرة الأولى إلى الرحمن بال |
|
اخلاص في سر وفي اعلان |
فالقصد وجه الله بالأقوال وال |
|
أعمال والطاعات والشكران |