الأرواح المستقلة عن الأبدان وقال ليس هناك أرواح تنزل إلى البدن عند الولادة وتصعد منه عند الموت ، ولكن الحياة عنده عرض من الأعراض القائمة بالبدن ، فإذا مات الحي بطل ذلك العرض وفني ، وهذا المذهب الذي ذهب إليه جهم وأخذه عن جالينوس الطبيب اليوناني وغيره في غاية البطلان ، فإن الحياة وغيرها من الاعراض المشروطة بها ، كالاحساس والحركة والإرادة وغيرها لا بد من سبب خارج عن تركيب البدن ومزاجه ، وذلك هو الروح التي تحل بالبدن وقد أفاض أهل الأديان وغيرهم من الفلاسفة الروحانيين في الرد على مذاهب هؤلاء الطبيعيين وبيان فساد مقالتهم بوجوه ليس هنا محل بسطها.
* * *
فالشأن للأرواح بعد فراقها |
|
أبدانها والله أعظم شأن |
إما عذاب أو نعيم دائم |
|
قد نعمت بالروح والريحان |
وتصير طيرا سارحا مع شكلها |
|
تجني الثمار بجنة الحيوان |
وتظل واردة لانهار بها |
|
حتى تعود لذلك الجثمان |
لكن أرواح الذين استشهدوا |
|
في جوف طير أخضر ريان |
فلهم بذاك مزية في عيشهم |
|
ونعيمهم للروح والأبدان |
بذلوا الجسوم أربهم فأعاضهم |
|
أجسام تلك الطير بالاحسان |
ولها قناديل إليها تنتهي |
|
مأوى لها كمساكن الانسان |
الشرح : يقسم المؤلف بأن شأن الارواح بعد مفارقتها لأجسادها بالموت شأن عظيم جدا ، فهي لا تفنى بفناء الجسد لأنها ليست عرضا قائما به ، بل تظل حية باقية ، اما في عذاب مقيم إن كانت لكافر أو منافق ، كما قال تعالى اخبارا عن فرعون وقومه : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦] فدلت الآية على أن عرضهم على النار بالغداة والعشي قبل قيام الساعة.
وقال اخبارا عن قوم نوح عليهالسلام : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا