وقوله عليه / الصلاة والسلام : «فاطمة بضعة منى» (١) فإن كان من أخبار الآحاد ؛ فليس هو عندهم حجة ، إلا أنه لا يمكن حمله على الحقيقة ، فإن البضعة من الشخص جزء الشخص وجزء الشخص ما ينقص ذلك الشخص بنقصانه ، وينمو بنموه ، ويغتذى بغذائه ، ويتألم بما يرد عليه من الآلام ، وفاطمة بالنسبة إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليست كذلك ، فأمكن حمل قوله : «بضعة منى» أى ، كبضعة منى فيما يرجع إلى الحنو ، والشفقة.
وإن سلمنا أنّها بضعة منه حقيقة ؛ ولكن لا نسلم أنه يجب أن تكون معصومة.
قولهم : لأن النبي عليهالسلام معصوم ، ممنوع على ما تقدم.
وإن سلمنا أنه معصوم فلا نسلم أنه يلزم من وصف الجملة بوصف ، وصف جزئها به.
فلئن قالوا : وإن لم يثبت الإرث ، فقد ادّعت أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نحلها بها ، وشهد لها عليّ والحسن ، والحسين ، وأم أيمن (٢) ؛ فرد شهادة الكل ، ولم يقبل دعواها.
قلنا : أما أنه لم يقبل شهادة الحسن ، والحسين ؛ فلأنه رأى فى اجتهاده امتناع قبول شهادة الولد لوالديه ؛ وهو رأى أكثر أهل العلم. ونصاب / / البينة لم يتم بعلى ، وأم أيمن. ولعله أيضا لم ير الحكم بالشاهد الواحد ، واليمين ؛ فإنه مذهب كثير من العلماء (٣).
قولهم : إنه لم يولّه شيئا فى حال حياته ؛ لا نسلم ذلك ؛ فإنه قد أمّره على الحجيج فى سنة تسع ، واستخلفه فى الصلاة بالنّاس فى مرضه ، وصلّى خلفه ، ويدل على ذلك ما روى جابر (٤) بن عبد الله أنه قال : «لما ثقل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى مرضه حين أهل ربيع الأول أمر أبا بكر أن يصلّى بالناس ، وكان إن وجد خفة ، وأطاق الصلاة قائما ؛ خرج فصلّى بنا قائما ، وإن وجد خفة ولم يستطع القيام ؛ خرج وصلّى جالسا ، وأبو بكر يصلى بالناس ؛ لأنه ـ عليهالسلام ـ نهانا أن يصلى القاعد بالقائم) (٥).
__________________
(١) انظر ما مر فى هامش ل ٢٩٥ / ب.
(٢) أم أيمن : هى بركة بنت ثعلبة بن عمرو ـ مولاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعتقها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد (الإصابة فى تمييز الصحابة ٤ / ٤١٥ ، الاستيعاب ٢ / ٧٦٥).
/ / أول ل ١٧٤ / أ.
(٣) انظر المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٣٣٢ وما بعدها ، وشرح المواقف. الموقف السادس ص ٢٩٩ ، فهو ينقل عن الآمدي غالبا.
(٤) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجى الأنصارى السلمى : صحابى من المكثرين فى الرواية عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقد روى (١٥٤٠) حديثا له ولأبيه صحبة غزا تسع عشرة غزوة ، وكانت له فى أواخر أيامه حلقة فى المسجد النبوى يؤخذ عنه العلم. شهد بيعة العقبة مع السبعين وكان أصغرهم سنا ، توفى رحمهالله ورضى عنه بالمدينة سنة ٧٨ ه [صفة الصفوة. الترجمة رقم (٧٩) ١ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، الأعلام ٢ / ١٠٤].
(٥) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد ٦ / ١٥٩. وسنن الترمذي ٢ / ١٩٥ وما بعدها.