وأيضا ما روى أن رجلا أتاه فسأله عن معنى قول الله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) ، وعن : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) (٢) ، وعن (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) (٣) فعلاه بدرّته ، ثم أمر به فحبس ، فجعل يخرجه فى كل يوم ، فيضربه خمسين جريدة مدة أيام ، ثم نفاه إلى البصرة ، وأمر أهل البصرة أن لا يجالسوه ولا يعاملوه ، ومن المعلوم أنه لم يكن فى السؤال عن ذلك مما يوجب هذا / / الأمر ، وإنما فعل ذلك ؛ ليسد عليه باب السؤال ؛ لأنه كان جاهلا بالقرآن ، وما يتعلق به (٤).
وأما أنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية : فيدل عليه أمور سبعة : ـ
الأول : ما روى : «أن رجلا من اليهود أصيب مقتولا فى سكك المدينة ؛ فخطب عمر بالناس ، وناشدهم بالله ، فقام إليه رجل معه سيف مضرج بالدم وقال : يا أمير المؤمنين ، إن أخى خرج غازيا فى جيش ، وخلفنى فى أهله أتعهدهم ، وإنى أتيت منزله ، فإذا أنا بهذا اليهودى ، قاعد مع أهله ؛ فلم أملك نفسى أن دخلت إليه ؛ فضربته بهذا السيف حتى برد ، فقال : عمر : «اقتل وأنا شريكك» (٥) وذلك منه جهل بأحكام الشرع ، حيث أنه أهدر دما محرما ، بمجرد قول المقر بالقتل ، ولم يقم عليه الحد ، بقذف امرأة أخيه.
الثانى : أنه همّ أن يرجم حاملا ، فقال له معاذ : «وإن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على حملها» (٦) ؛ فأمسك وقال : «لو لا معاذ (٧) لهلك عمر».
__________________
(١) سورة الذاريات ٥١ / ١.
(٢) سورة النازعات ٧٩ / ١.
(٣) سورة المرسلات ٧٧ / ١.
/ / أول ل ١٧٦ / أمن النسخة ب.
(٤) وردت هذه الرواية بألفاظ مختلفة فى سيرة عمر ص ١٠٨ ، ١٠٩ ، وسنن الدارمى ١ / ٥٤ ، ٥٥ ، وتفسير ابن كثير ٤ / ٢٣٢.
(٥) ورد فى رواية أخرى : «لا يقطع الله يدك كما جاءت بألفاظ أخرى فى روضة المحبين لابن القيم ص ٣٠١.
(٦) انظر : الإصابة ٣ / ٤٢٧ ، وفتح البارى لابن حجر ١٢ / ١٢٨.
(٧) معاذ بن جبل بن عمرو أوس الأنصارى الخزرجى : أبو عبد الرحمن صحابى جليل. كان أعلم الأمة بالحلال والحرام.
وكان أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم أسلم وهو فتى ، وشهد العقبة مع الأنصار السبعين وآخى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بينه وبين جعفر بن أبى طالب.
قال عنه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أعلم أمتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل» وبعثه رسول الله قاضيا ومرشدا لأهل اليمن وقال فى كتابه لهم «إنى بعثت لكم خير أهلى».
كان مولده سنة ٢٠ قبل الهجرة ، ووفاته سنة ١٨ ه توفى فى طاعون عمواس بعد أن استخلفه أبو عبيدة ، وأقره عمر ؛ ولكنه مات فى نفس العام الّذي مات فيه أبو عبيدة بن الجراح. رحمهالله ورضى عنه.
[حلية الأولياء ١ / ٢٢٨ ، وصفة الصفوة ١ / ١٨٣ ـ ١٨٨ ترجمة رقم (٥١) ، الأعلام للزركلى ٧ / ٢٥٨].