وإن شئت فاستوضح الحال بأفعاله سبحانه ، فإنها كلها اختيارية لكن لا بمعنى كونها مسبوقة بالإرادة التفصيلية الجزئية الحادثة لكونه سبحانه منزّها عن مثل هذه الإرادة ، وقد عرفت أنّ حقيقة إرادته وواقع كونه مريدا هو كونه فاعلا مختارا بالذات ، فلأجل ذلك تصبح أفعاله سبحانه في ظل هذا الاختيار الذاتي ، أفعالا اختيارية والنفس الإنسانية في خلاقيتها بالنسبة إلى الصور العلمية والإرادة التفصيلية مثال للواجب سبحانه ، (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).
وما اشتهر من أنّ ملاك الفعل الاختياري السبق بالإرادة ، فإنّما هو ناظر إلى الأفعال الجوارحية الصادرة من الإنسان عن طريق الأسباب والآلات ولا يعم كل فعل اختياري.
ويمكن أن يقال : إنّ تعريف الفعل الاختياري بسبق الإرادة من قبيل جعل ما بالعرض مكان ما بالذات ، بل الملاك في كونه فعلا اختياريا للإنسان هو انتهاء الفعل إلى فاعل مختار بالذات ، وصدوره عنه بالإرادة. غير أنّا لتسهيل الأمر على الطلّاب نتوافق على هذا التعريف في مورد الأفعال الجوارحية لا مطلقا.
إلى هنا خرجنا بهذه النتائج :
١ ـ إنّ الأفعال النفسانية تصدر عن النفس لا بإرادة مسبقة بل يكفي في صدورها الاختيار الذاتي الثابت للنفس.
٢ ـ إنّ هذه الأفعال كما هي غير مسبوقة بالإرادة غير مسبوقة بمبادئها أيضا ، فليس قبل صدورها تصوّر ولا تصديق ولا شوق ولا عزم ولا جزم.
٣ ـ إنّ الأفعال القلبية اختيارية للنفس بملاك الاختيار الذاتي الثابت لها.
__________________
(١) سورة النحل : الآية ٦٠.