فينسب الفعل الواحد وهو الغلبة في وقت واحد إلى نفسه ورسله.
٤ ـ يقول سبحانه : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (١).
فيعد نفسه ناصرا وفي الوقت نفسه يعد المؤمنين ناصرين أيضا.
٥ ـ يقول سبحانه : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ، وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) (٢). ترى أنّه سبحانه ينسب أمر الخلق إلى رسوله بصراحة ، حتى أنّ الرسول يصف نفسه به ويقول (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (٣). ومع ذلك أنّ القرآن الكريم يخصّ الخالقية بالله سبحانه في كثير من الآيات التي تعرفت عليها ، ولا يحصل الجمع بين هذه الآيات إلّا بالقول بأنّ الخالقية النابعة من الذات غير المعتمدة على شيء تختص به سبحانه ، ومثله سائر الأفعال من الرزق والزرع والغلبة والنصرة ، فالكل بالمعنى السابق مختص به سبحانه لا يعدوه ، لأنها من خصائص الواجب ولا يتصف بها الممكن. وأمّا الفعل المعتمد على الواجب المستمد منه فهو من شأن العبد يقوم به بإقدار منه سبحانه وإذن. ولأجل ذلك يكرر سبحانه لفظة «بإذني» أو «بإذن الله» في الآيات المتقدمة وهذا واضح لمن عرف الفباء القرآن. والأشعري ومن تبعه قصروا النظر على قسم واحد ، وغفلوا عن القسم الآخر ، ولا يقف على ذلك إلّا من فسّر الآيات تفسيرا موضوعيا(٤).
* * *
__________________
(١) سورة محمد : الآية ٧.
(٢) سورة المائدة : الآية ١١٠.
(٣) سورة آل عمران : الآية ٤٩.
(٤) المراد من التفسير الموضوعي هو جمع الآيات الواردة حول موضوع ما ، ثم عرض بعضها على البعض الآخر ، حتى يتبين المراد والمفهوم. وهذا نمط وطراز حديث من التفسير أبدعه شيخنا الأستاذ العلامة جعفر السبحاني وخرج منه أجزاء خمسة باسم «مفاهيم القرآن».