ابن زيد : كانوا لا يأكلون ما جعلوه لله حتى يذكروا عليه اسم أوثانهم ، ولا يذكرون الله على ما جعلوه للأوثان. فأمّا قوله : «بزعمهم» فقرأ الجمهور : بفتح الزّاي ؛ وقرأ الكسائيّ ، والأعمش : بضمّها. وفي الزّعم ثلاث لغات : ضمّ الزّاي ، وفتحها ، وكسرها ومثله : السّقط ، والسّقط ؛ والسّقط والفتك ؛ والفتك ، والفتك ؛ والزّعم ، والزّعم ، والزّعم ، قال الفرّاء : فتح الزاي في الزّعم ، لأهل الحجاز ؛ وضمّها لأسد ؛ وكسرها لبعض قيس فيما يحكي الكسائيّ.
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧))
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ) أي : ومثل ذلك الفعل القبيح فيما قسموا بالجهل زيّن. قال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون «وكذلك» مستأنفا ، غير مشار به إلى ما قبله ؛ فيكون المعنى : وهكذا زيّن. وقرأ الجمهور : «زيّن» بفتح الزّاي والياء ، ونصب اللام من «قتل» ، وكسر الدّال من «أولادهم» ، ورفع «الشّركاء» ؛ ووجه هذه القراءة ظاهر. وقرأ ابن عامر : بضمّ زاي «زين» ، ورفع اللام ، ونصب الدّال من «أولادهم» ، وخفض «الشّركاء». قال أبو عليّ : ومعناها : قتل شركائهم أولادهم ؛ ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به ، وهذا قبيح ، قليل في الاستعمال. وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ ، والحسن : «زين» بالرفع ، «قتل» بالرّفع أيضا ، «أولادهم» بالجرّ ، «شركاؤهم» رفعا. قال الفرّاء : رفع القتل إذا لم يسمّ فاعله ، ورفع الشّركاء بفعل نواه ، كأنه قال : زيّنه لهم شركاؤهم. وكذلك قال سيبويه في هذه القراءة ؛ كأنه قيل : من زيّنه؟ فقال : شركاؤهم. قال مكّيّ بن أبي طالب : وقد روي عن ابن عامر أيضا أنه قرأ بضمّ الزّاي ، ورفع اللام ، وخفض الأولاد والشّركاء ؛ فيصير الشّركاء اسما للأولاد ، لمشاركتهم للآباء في النّسب والميراث والدّين.
وللمفسرين في المراد بشركائهم أربعة أقوال : أحدها : أنهم الشّياطين ، قاله الحسن ، ومجاهد ، والسّدّيّ. والثاني : شركاؤهم في الشّرك ، قاله قتادة. والثالث : قوم كانوا يخدمون الأوثان ، قاله الفرّاء ، والزّجّاج. والرابع : أنهم الغواة من الناس ، ذكره الماوردي. وإنما أضيف الشركاء إليهم ، لأنّهم هم الذين اختلقوا ذلك وزعموه.
وفي الذي زيّنوه لهم من قتل أولادهم قولان : أحدهما : أنه وأد البنات أحياء خيفة الفقر ، قاله مجاهد. والثاني : أنه كان يحلف أحدهم أنه إن ولد له كذا وكذا غلاما أن ينحر أحدهم ، كما حلف عبد المطّلب في نحر عبد الله ، قاله ابن السّائب ، ومقاتل.
قوله تعالى : (لِيُرْدُوهُمْ) أي : ليهلكوهم. وفي هذه اللام قولان : أحدهما : أنّها لام «كي». والثاني : أنّها لام العاقبة ، كقوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) (١) أي : آل أمرهم إلى الرّدى ، لا أنهم قصدوا ذلك. قوله تعالى : (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي : ليخلطوا. قال ابن عباس : ليدخلوا عليهم الشّكّ في دينهم ؛ وكانوا على دين إسماعيل ، فرجعوا عنه بتزيين الشّياطين.
__________________
(١) سورة القصص : ٨.