(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥))
قوله تعالى : (عَلى مَكانَتِكُمْ) وقرأ أبو بكر عن عاصم : «مكاناتكم» على الجمع. قال ابن قتيبة : أي : على موضعكم ، يقال : مكان ومكانة ، ومنزل ومنزلة. وقال الزّجّاج : اعملوا على تمكّنكم. قال : ويجوز أن يكون المعنى : اعملوا على ما أنتم عليه. تقول للرجل إذا أمرته أن يثبت على حال : كن على مكانتك.
قوله تعالى : (إِنِّي عامِلٌ) أي : عامل ما أمرني به ربّي (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ). قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو. وابن عامر ، وعاصم : «تكون» بالتاء. وقرأ حمزة ، والكسائيّ : بالياء. وكذلك خلافهم في (القصص) ، ووجه التأنيث ، اللفظ ، ووجه التّذكير ، أنه ليس بتأنيث حقيقي. وعاقبة الدّار : الجنّة. والظالمون ها هنا : المشركون. فإن قيل : ظاهر هذه الآية أمرهم بالإقامة على ما هم عليه ، وذلك لا يجوز. فالجواب : أنّ معنى هذا الأمر المبالغة في الوعيد ؛ فكأنه قال : أقيموا على ما أنتم عليه ، إن رضيتم بالعذاب ، قاله الزّجّاج.
فصل : وفي هذه الآية قولان : أحدهما : أنّ المراد بها التّهديد ؛ فعلى هذا هي محكمة. والثاني : أنّ المراد بها ترك القتال ، فعلى هذا هي منسوخة بآية السيف.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦))
قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) قال ابن قتيبة : ذرأ ، بمعنى خلق. (مِنَ الْحَرْثِ) وهو الزّرع. (والأنعام) : الإبل والبقر والغنم ، وكانوا إذا زرعوا ، خطّوا خطّا ، فقالوا : هذا لله ، وهذا لآلهتنا ، فإذا حصدوا ما جعلوه لله ، فوقع منه شيء فيما جعلوه لآلهتهم ، تركوه وقالوا : هي إليه محتاجة ؛ وإذا حصدوا ما جعلوه لآلهتهم ، فوقع منه شيء في مال الله ، أعادوه إلى موضعه. وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا لله ؛ فإذا ولدت إناثها ميّتا أكلوه ، وإذا ولدت أنعام آلهتهم ميّتا عظّموه فلم يأكلوه. وقال الزّجّاج : معنى الآية : وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، وجعلوا لشركائهم نصيبا ، يدلّ عليه قوله تعالى : (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) ، فدلّ بالإشارة إلى النّصيبين على نصيب الشّركاء ؛ وكانوا إذا زكا ما لله ، ولم يزك ما لشركائهم ، ردّوا الزّاكي على أصنامهم ، وقالوا : هذه أحوج ، والله غنيّ ؛ وإذا زكا ما للأصنام ، ولم يزك ما لله ، أقرّوه على ما به. قال المفسّرون : وكانوا يصرفون ما جعلوا لله إلى الضّيفان والمساكين. فمعنى قوله : (فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) أي : إلى هؤلاء. ويصرفون نصيب آلهتهم في الزّرع إلى النّفقة على خدّامها. فأمّا نصيبها في الأنعام ، ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان للنّفقة عليها أيضا. والثاني : أنّهم كانوا يتقرّبون به ، فيذبحونه لها. والثالث : أنه البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام. وقال الحسن : كان إذا هلك ما لأوثانهم غرموه ، وإذا هلك ما لله لم يغرموه. وقال