هو الله ، وهي داره ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة والسّدّيّ. والثاني : أنها دار السّلامة التي لا تنقطع ، قاله الزّجّاج. والثالث : أنّ تحيّة أهلها فيها السّلام ، ذكره أبو سليمان الدّمشقيّ. والرابع : أنّ جميع حالاتها مقرونة بالسّلام ، ففي ابتداء دخولهم : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) (١) ، وبعد استقرارهم : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (٢). وقوله تعالى : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٣) وعند لقاء الله (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٤) ، وقوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) (٥). ومعنى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : مضمونة لهم عنده ، (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) أي : متولّي إيصال المنافع إليهم ، ودفع المضارّ عنهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الطّاعات.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨))
قوله تعالى : «ويوم نحشرهم جميعا» يعني الجنّ والإنس. وقرأ حفص عن عاصم : «يحشرهم» بالياء. قال أبو سليمان : يعني : المشركين وشياطينهم الذين كانوا يوحون إليهم بالمجادلة لكم فيما حرّمه الله من الميتة. قوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) فيه إضمار ، فيقال لهم : يا معشر ؛ والمعشر : الجماعة أمرهم واحد ، والجمع : المعاشر. وقوله : (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي : من إغوائهم وإضلالهم. (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) يعني الذين أضلّهم الجنّ : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) فيه ثلاثة أقوال :
(٥٦٠) أحدها : أنّ استمتاع الإنس بالجنّ : أنهم كانوا إذا سافروا ، فنزلوا واديا ، وأرادوا مبيتا ، قال أحدهم : أعوذ بعظيم هذا الوادي من شرّ أهله ؛ واستمتاع الجنّ بالإنس : أنهم كانوا يفخرون على قومهم ، ويقولون : قد سدنا الإنس حتى صاروا يعوذون بنا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل ، والفراء.
والثاني : أنّ استمتاع الجنّ بالإنس : طاعتهم لهم فيما يغرونهم به من الضّلالة والكفر والمعاصي. واستمتاع الإنس بالجنّ : أنّ الجنّ زيّنت لهم الأمور التي يهوونها ، وشهّوها إليهم حتى سهل عليهم فعلها ، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس ، وبه قال محمّد بن كعب ، والزّجّاج.
والثالث : أنّ استمتاع الجنّ بالإنس : إغواؤهم إيّاهم. واستمتاع الإنس بالجنّ : ما يتلقّون منهم من السّحر والكهانة ونحو ذلك. والمراد بالجنّ في هذه الآية : الشّياطين.
قوله تعالى : (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) فيه قولان : أحدهما : الموت ، قاله الحسن ، والسّدّيّ.
____________________________________
(٥٦٠) عزاه المصنف لابن عباس من رواية الكلبي ، وهي رواية ساقطة. وكذا عزاه لمقاتل ، وهو متهم. وأخرجه الطبري ١٣٨٩٣ عن ابن جريج قوله. ويأتي شيء من هذا في سورة الجن.
__________________
(١) سورة الحجر : ٤٦.
(٢) سورة الرعد ، ٢٣ ـ ٢٤.
(٣) سورة الواقعة : ٢٦.
(٤) سورة يس : ٥٨.
(٥) سورة الأحزاب : ٤٤.