رجله ، وقال : قد كفيت ، فدخلت شوكة في أخمصه ، فانتفخت رجله ومات. ومرّ الأسود بن المطّلب ، فقال : كيف تجد هذا؟ قال : «عبد سوء» فأشار بيده إلى عينيه ، فعمي وهلك. وقيل : جعل ينطح برأسه الشجر ويضرب وجهه بالشّوك ، فاستغاث بغلامه ، فقال : لا أرى أحدا يصنع بك هذا غير نفسك ، فمات وهو يقول : قتلني ربّ محمّد. ومرّ الأسود بن عبد يغوث ، فقال جبريل : كيف تجد هذا؟ فقال : «بئس عبد الله» ، فقال : قد كفيت ، وأشار إلى بطنه ، فسقى بطنه ، فمات. وقيل : أصاب عينه شوك ، فسالت حدقتاه ، وقيل : خرج عن أهله فأصابه السّموم ، فاسودّ حتى عاد حبشيّا ، فلمّا أتى أهله لم يعرفوه ، فأغلقوا دونه الأبواب حتى مات. ومرّ به الحارث بن قيس ، فقال : كيف تجد هذا؟ قال : «عبد سوء» فأومأ إلى رأسه ، وقال : قد كفيت ، فانتفخ رأسه فمات ، وقيل : أصابه العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انقدّ بطنه ، وأمّا أصرم وبعكك ، فقال مقاتل : أخذت أحدهما الدّبيلة (١) والآخر ذات الجنب ، فماتا جميعا. قال عكرمة : هلك المستهزئون قبل بدر. وقال ابن السّائب : أهلكوا جميعا في يوم وليلة.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) فيه قولان : أحدهما : أنه التّكذيب. والثاني : الاستهزاء. قوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فيه قولان : أحدهما : قل سبحان الله وبحمده ، قاله الضّحّاك. والثاني : فصلّ بأمر ربّك ، قاله مقاتل. وفي قوله : (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) قولان : أحدهما : من المصلّين. والثاني : من المتواضعين ، رويا عن ابن عباس. قوله تعالى : (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فيه قولان : أحدهما : أنه الموت ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور. وسمّي يقينا ، لأنه موقن به. وقال الزّجّاج : معنى الآية : اعبد ربّك أبدا ، ولو قيل : اعبد ربّك ، بغير توقيت ، لجاز إذا عبد الإنسان مرّة أن يكون مطيعا ، فلمّا قال : (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أمر بالإقامة على العبادة ما دام حيّا (٢). والثاني : أنه الحقّ الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك ، حكاه الماوردي.
__________________
(١) في «القاموس» : الدبيلة : داء في الجوف.
(٢) استدل الباطنية القرامطة ومنهم الشاذلية اليشرطية بهذه الآية على سقوط التكليف عنهم ، وفسروا اليقين هنا بالعلم والمعرفة ، فقالوا : من حصلت له المعرفة بالله سقطت عنه التكاليف.
قال الحافظ ابن كثير في رده عليهم في «تفسيره» ٢ / ٦٩٢ : ويستدل من هذه الآية الكريمة ، وهي قوله : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ، على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا ، فيصلي بحسب حاله ، كما ثبت في صحيح البخاري ، عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب». ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل ، فإن الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته ، وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة ، وإنما المراد باليقين هاهنا الموت ، كما قدمناه. ولله الحمد والمنة والحمد لله على الهداية ، وعليه الاستعانة والتوكل ، وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها.