يعني : الشّمال. وإنما جعلوا الرّيح لاقحا ، أي : حاملا ، لأنها تحمل السّحاب وتقلّبه وتصرّفه ، ثم تحلّه فينزل ، فهي على هذا حامل ، ويدلّ على هذا قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً) (١) أي : حملت ، قال ابن الأنباري : شبّه ما تحمله الرّيح من الماء وغيره ، بالولد الذي تشتمل عليه النّاقة ، وكذلك يقولون : حرب لاقح ، لما تشتمل عليه من الشّرّ ، فعلى قول أبي عبيدة ، يكون معنى «لواقح» : أنها ملقحة لغيرها ، وعلى قول ابن قتيبة : أنها لاقحة نفسها ، وأكثر الأحاديث تدلّ على القول الأول (٢). قال عبد الله بن مسعود : يبعث الله الرّياح لتلقح السّحاب ، فتحمل الماء ، فتمجّه في السّحاب ثم تمريه (٣) ، فيدرّ كما تدرّ اللقحة (٤). وقال الضّحّاك : يبعث الله الرّياح على السّحاب فتلقحه فيمتلئ ماء. قال النّخعيّ : تلقح السّحاب ولا تلقح الشّجر. وقال الحسن في آخرين : تلقح السّحاب والشّجر ، يعنون أنها تلقح السّحاب حتى يمطر والشّجر حتى يثمر.
قوله تعالى : (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ) يعني السّحاب (ماءً) يعني المطر (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أي : جعلناه سقيا لكم. قال الفرّاء : العرب مجتمعون على أن يقولوا : سقيت الرّجل ، فأنا أسقيه : إذا سقيته لشفته ، فإذا أجروا للرّجل نهرا قالوا : أسقيته وسقيته ، وكذلك السّقيا من الغيث ، قالوا فيها : سقيت وأسقيت ، وقال أبو عبيدة : كلّ ما كان من السماء ، ففيه لغتان : أسقاه الله ، وسقاه الله ، قال لبيد :
سقى قومي بني مجد وأسقى |
|
نميرا والقبائل من هلال |
فجاء باللغتين. وتقول : سقيت الرجل ماء وشرابا من لبن وغيره ، وليس فيه إلّا لغة واحدة بغير ألف ، إذا كان في الشّفة ، وإذا جعلت له شربا ، فهو : أسقيته ، وأسقيت أرضه ، وإبله ، ولا يكون غير هذا ، وكذلك إذا استسقيت له ، كقول ذي الرّمّة :
وقفت على رسم (٥) لميّة ناقتي |
|
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه |
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه |
|
تكلّمني أحجاره وملاعبة |
فإذا وهبت له إهابا ليجعله سقاء ، فقد أسقيته إيّاه.
قوله تعالى : (وَما أَنْتُمْ لَهُ) يعني : الماء المنزل (بِخازِنِينَ) وفيه قولان : أحدهما : بحافظين ، أي : ليست خزائنه بأيديكم ، قاله مقاتل. والثاني : بمانعين ، قاله سفيان الثّوريّ.
قوله تعالى : (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) يعني : أنه الباقي بعد فناء الخلق.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٥٧.
(٢) ورد في هذا الباب حديث مرفوع عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح ، وهي التي ذكر الله تعالى في كتابه ، وفيها منافع للناس». أخرجه الطبري ٢١١٠٩ ، وأبو الشيخ في «العظمة» ٨٠٥ وإسناده ضعيف جدا ، فيه أبو المهزم ، وهو متروك ، وكذا عبيس بن ميمون. والحديث ذكره ابن كثير في تفسيره ٢ / ٥٤٩ وضعفه.
(٣) في «القاموس» : مرى الناقة يمريها ، مسح ضرعها ، فأمرت هي : درّ لبنها وهي : المرية بالضم والكسر. ومرى الشيء : استخرجه كامتراه.
(٤) أخرجه الطبري ٢١٠٩٨ عن ابن مسعود موقوفا عليه.
(٥) في «القاموس» الرسم : الأثر أو بقيته أو ما لا شخص له من الآثار.