يحرق ويخبل ولا يقتل ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : أنه يقتل ، قاله الحسن. فعلى هذا القول ، هل يقتل الشيطان قبل أن يخبر بما سمع ، فيه قولان : أحدهما : أنه يقتل قبل ذلك ، فعلى هذا ، لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء. قال ابن عباس : ولذلك انقطعت الكهانة. والثاني : أنه يقتل بعد إلقائه ما سمع إلى غيره من الجنّ ، ولذلك يعودون إلى الاستراق ، ولو لم يصل لقطعوا الاستراق.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠))
قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) أي : بسطناها على وجه الماء (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) وهي الجبال الثّوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها) في المشار إليها قولان : أحدهما : أنها الأرض ، قاله الأكثرون. والثاني : الجبال ، قاله الفرّاء. وفي قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قولان (١) :
أحدهما : أنّ الموزون : المعلوم ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والضّحّاك. وقال مجاهد ، وعكرمة في آخرين : الموزون : المقدور. فعلى هذا يكون المعنى : معلوم القدر كأنه قد وزن ، لأنّ أهل الدنيا لمّا كانوا يعلمون قدر الشيء بوزنه ، أخبر الله تعالى عن هذا أنه معلوم القدر عنده بأنه موزون. وقال الزّجّاج : المعنى : أنه جرى على وزن من قدر الله تعالى ، لا يجاوز ما قدّره الله تعالى عليه ، ولا يستطيع خلق زيادة فيه ولا نقصانا.
والثاني : أنه عنى به الشيء الذي يوزن كالذّهب ، والفضّة ، والرّصاص ، والحديد ، والكحل ، ونحو ذلك ، وهذا المعنى مرويّ عن الحسن ، وعكرمة ، وابن زيد ، وابن السّائب ، واختاره الفرّاء.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) في المشار إليها قولان :
أحدهما : أنها الأرض. والثاني : أنها الأشياء التي أنبتت.
والمعايش جمع معيشة. والمعنى : جعلنا لكم فيها أرزاقا تعيشون بها.
وفي قوله : (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) أربعة أقوال (٢) : أحدها : أنه الدّوابّ والأنعام ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والثاني : الوحوش ، رواه منصور ، عن مجاهد. وقال ابن قتيبة : الوحش ، والطّير ، والسّباع ، وأشباه ذلك ممّا لا يرزقه ابن آدم. والثالث : العبيد والإماء ، قاله الفرّاء. والرابع : العبيد ، والأنعام ، والدّوابّ ، قاله الزّجّاج. قال الفرّاء : و «من» في موضع نصب ، فالمعنى : جعلنا لكم فيها المعايش ، والعبيد ، والإماء. ويقال : إنها في موضع خفض ، فالمعنى : جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين. وقال الزّجّاج : المعنى : جعلنا لكم الدّوابّ ، والعبيد ، وكفيتم مؤونة أرزاقها.
فإن قيل : كيف قلتم : إنّ «من» هاهنا للوحوش والدّوابّ ، وإنما تكون لمن يعقل؟
فالجواب : أنه لمّا وصفت الوحوش وغيرها بالمعاش الذي الغالب عليه أن يوصف به الناس ،
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٧ / ٥٠٢ : وأولى الأقوال عندنا بالصواب القول الأول لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٧ / ٥٠٣ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأحسن أن يقال : عني بقوله (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) من العبيد والإماء والدواب والأنعام.