رفعنا درجته ، ووهبنا له أولادا أنبياء أتقياء ، كذلك نجزي المحسنين. فأمّا عيسى ، وإلياس ، واليسع ، ولوطا ، فأسماء أعجمية ، وجمهور القرّاء يقرءون «اليسع» بلام واحدة مخففة ، منهم ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو وابن عامر. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ها هنا وفي (ص) ؛ «اللّيسع» بلامين مع التشديد. قال الفرّاء : وهي أشبه بالصواب ، وبأسماء الأنبياء من بني إسرائيل ، ولأنّ العرب لا تدخل على «يفعل» ، إذا كان في معنى فلان ، ألفا ولاما ، يقولون : هذا يسع قد جاء ، وهذا يعمر ، وهذا يزيد ، فهكذا الفصيح من الكلام. وأنشدني بعضهم.
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا |
|
شديدا بأحناء الخلافة كاهله (١) |
فلما ذكر الوليد بالألف واللام ، أتبعه يزيد بالألف واللام ، وكلّ صواب. وقال مكّيّ : من قرأه بلام واحدة ، فالأصل عنده : يسع ، ومن قرأه بلامين ، فالأصل عنده : ليسع ، فأدخلوا عليه حرف التعريف. وباقي أسماء الأنبياء قد تقدّم بيانها ، والمراد بالعالمين : عالمو زمانهم.
قوله تعالى : (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) «من» ها هنا للتّبعيض. قال الزّجّاج : المعنى : هدينا هؤلاء ، وهدينا بعض آبائهم وذرّياتهم. (وَاجْتَبَيْناهُمْ) مثل اخترناهم واصطفيناهم ، وهو مأخوذ من جبيت الشيء : إذا أخلصته لنفسك. وجبيت الماء في الحوض : إذا جمعته فيه. فأمّا الصّراط المستقيم ، فهو التّوحيد.
(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨))
قوله تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ) قال ابن عباس : ذلك دين الله الذي هم عليه (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ). (وَلَوْ أَشْرَكُوا) يعني الأنبياء المذكورين (لَحَبِطَ) أي : لبطل وزال عملهم ، لأنه لا يقبل عمل مشرك.
(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩))
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني الكتاب التي أنزلها عليهم. والحكم : الفقه والعلم (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) يعني بآياتنا. وفيمن أشير إليه ب «هؤلاء» ثلاثة أقوال (٢) : أحدها : أنهم أهل مكّة ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن المسيّب ، وقتادة. والثاني : أنهم قريش ، قاله السّدّيّ. والثالث : أمّة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قاله الحسن.
__________________
(١) البيت منسوب لابن ميادة الرماح بن أبرد ، معاني القرآن ١ / ٣٤٢. وأحناء : جمع الحنو هو الجهة والجانب.
الكاهل اسم لما بين الكتفين ويعبر بشدة الكاهل عن القوة.
(٢) قال الطبري في «تفسيره» ٥ / ٢٦١ : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، قول من قال : عني بقوله (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) ، كفار قريش (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) يعني به الأنبياء الثمانية عشر الذين سماهم الله تعالى ذكره في الآيات قبل هذه الآية. وذلك أن الخبر في الآيات قبلها عنهم مضى ، وفي التي بعدها عنهم ذكر ، فما بينها بأن يكون خبرا عنهم أولى وأحق من أن يكون خبرا عن غيرهم. فتأويل الكلام إذا كان ذلك كذلك ، فإن كفر قومك من قريش ، يا محمد بآياتنا ، وكذبوا وجحدوا حقيقتها فقد استحفظناها واسترعينا القيام بها رسلنا وأنبياءنا من قبلك الذين لا يجحدون حقيقتها ولا يكذبون بها ولكنهم يصدقون بها ويؤمنون بصحتها. ا. ه.