وفيمن عنّى بهذه الآية ، ثلاثة أقوال : أحدها : أنه إبراهيم وأصحابه ، وليست في هذه الأمّة ، قاله عليّ بن أبي طالب. وقال في رواية أخرى : هذه الآية لإبراهيم خاصّة ، ليس لهذه الأمّة منها شيء. والثاني : أنه من هاجر إلى المدينة ، قاله عكرمة. والثالث : أنها عامّة ، ذكره بعض المفسّرين. وهل هي من قول إبراهيم لقومه ، أم جواب من الله تعالى؟ فيه قولان.
(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣))
قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا) يعني ما جرى بينه وبين قومه من الاستدلال على حدوث الكوكب والقمر والشّمس ، وعيبهم ، إذ سووا بين الصغير والكبير ، وعبدوا من لا ينطق ، وإلزامه إيّاهم الحجّة. (آتَيْناها إِبْراهِيمَ) أرشدناه إليها بالإلهام. وقال مجاهد : الحجّة قول إبراهيم : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ)؟
قوله تعالى : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عمرو وابن عامر : «درجات من نشاء» ، مضافا. وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ (دَرَجاتٍ) ، منوّنا ، وكذلك قرءوا في (يوسف). ثم في المعنى قولان : أحدهما : أنّ الرفع بالعلم والفهم والمعرفة. والثاني : بالاصطفاء للرّسالة. قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) قال ابن جرير : حكيم في سياسة خلقه ، وتلقينه أنبياءه الحجّ على أممهم المكذّبة (عَلِيمٌ) بما يؤول إليه أمر الكلّ.
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧))
قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) ولدا لصلبه (وَيَعْقُوبَ) ولدا لإسحاق (كُلًّا) من هؤلاء المذكورين (هَدَيْنا) أي : أرشدنا.
قوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) في «هاء الكناية» ، قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى نوح ؛ رواه أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفرّاء ، ومقاتل ، وابن جرير الطّبري. والثاني : إلى إبراهيم ، قاله عطاء. وقال الزّجّاج : كلا القولين جائز ، لأنّ ذكرهما جميعا قد جرى ، واحتجّ ابن جرير للقول الأول بأنّ الله تعالى ، ذكر في سياق الآيات لوطا ، وليس من ذرّيّة إبراهيم ، وأجاب عنه أبو سليمان الدّمشقي بأنه يحتمل أن يكون أراد : ووهبنا له لوطا في المعاضدة والنّصرة ، ثم قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) من أبين دليل على أنه إبراهيم ، لأنّ افتتاح الكلام إنّما هو بذكر ما أثاب به إبراهيم. فأمّا «يوسف» فهو اسم أعجميّ. قال الفرّاء : «يوسف». بضم السين من غير همز ، لغة أهل الحجاز ، وبعض بني أسد يقول : «يؤسف» ، بالهمز ، وبعض العرب يقول : «يوسف» بكسر السين ، وبعض بني عقيل يقول : «يوسف» بفتح السين.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي : كما جزينا إبراهيم على توحيده وثباته على دينه ، بأن