إحداهما : أنّ العصوف ، وإن كان للريح ، فإنّ اليوم يوصف به ، لأنّ الريح فيه تكون ، فجاز أن تقول : يوم عاصف ، كما تقول : يوم بارد ، ويوم حارّ. والوجه الآخر : أن تريد : في يوم عاصف الرّيح ، فتحذف الرّيح ، لأنها قد ذكرت في أول الكلام ؛ قال الشاعر :
وتضحك عرفان الدّروع جلودنا |
|
إذا كان يوم مظلم الشّمس كاسف |
يريد : كاسف الشّمس. وروي عن سيبويه أنه قال : في هذه الآية إضمار ، والمعنى : وممّا نقصّ عليك مثل الذين كفروا ، ثم ابتدأ فقال : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ). وقرأ النّخعيّ ، وابن يعمر ، والجحدريّ : «في يوم عاصف» بغير تنوين اليوم. قال المفسّرون : ومعنى الآية : أنّ كلّ ما يتقرّب به المشركون يحبط ولا ينتفعون به ، كالرّماد الذي سفته الرّيح فلا يقدر على شيء منه ، فهم لا يقدرون ممّا كسبوا في الدنيا على شيء في الآخرة ، أي : لا يجدون ثوابه ، (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) من النّجاة.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠))
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) فيه قولان : أحدهما : أنّ معناه : ألم تخبر ، قاله ابن السّائب. والثاني : ألم تعلم ، قاله مقاتل ، وأبو عبيدة.
قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) قال المفسّرون : أي : لم يخلقهنّ عبثا ، وإنما خلقهنّ لأمر عظيم. (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) قال ابن عباس : يريد : يميتكم يا معشر الكفّار ويخلق قوما غيركم خيرا منكم وأطوع ، وهذا خطاب لأهل مكّة.
قوله تعالى : (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي : بممتنع متعذّر.
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١))
قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) لفظه لفظ الماضي ، ومعناه المستقبل ، والمعنى : خرجوا من قبورهم يوم البعث ، واجتمع التّابع والمتبوع ، (فَقالَ الضُّعَفاءُ) وهم الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم المتبوعون : (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) قال الزّجّاج : هو جمع تابع ، يقال : تابع وتبع ، مثل : غائب وغيب ، والمعنى : تبعناكم فيما دعوتمونا إليه.
قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) أي : دافعون عنّا (مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ). قال القتادة : (لَوْ هَدانَا اللهُ) أي : لو أرشدنا في الدنيا لأرشدناكم ، يريدون : أنّ الله أضلّنا فدعوناكم إلى الضّلال ، (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) قال ابن زيد : إنّ أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا نبكي ونتضرّع ، فإنما أدرك أهل الجنّة الجنّة ببكائهم وتضرّعهم ، فبكوا وتضرّعوا ، فلمّا رأوا ذلك لا ينفعهم ، قالوا : تعالوا نصبر ، فإنما أدرك أهل الجنّة بالصّبر ، فصبروا صبرا لم ير مثله قطّ ، فلم ينفعهم ذلك ، فعندها قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ). وروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال : جزعوا مائة سنة ، وصبروا مائة سنة. وقال مقاتل : جزعوا خمسمائة عام ، وصبروا خمسمائة عام. وقد