تضيف أفعالها إلى أنفسها ، وإلى ما أوقعت عليه ، فتقول : قد ندمت على ضربي إيّاك ، وندمت على ضربك ، فهذا من ذاك ، ومثله (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) (١) أي : رزقي إيّاكم. وقوله تعالى : (وَخافَ وَعِيدِ) أثبت ياء «وعيدي» في الحالين يعقوب ، وتابعه ورش في الوصل.
(وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧))
قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا) يعني : استنصروا. وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وحميد ، وابن محيصن : «واستفتحوا» بكسر التاء على الأمر. وفي المشار إليهم قولان : أحدهما : أنهم الرّسل ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة. والثاني : أنهم الكفّار ، واستفتاحهم : سؤالهم العذاب ، كقولهم : (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) (٢) وقولهم : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣) ، هذا قول ابن زيد.
قوله تعالى : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ) قال ابن السّائب : خسر عند الدّعاء ، وقال مقاتل : خسر عند نزول العذاب ، وقال أبو سليمان الدّمشقي : يئس من الإجابة. وقد شرحنا معنى الجبّار والعنيد في سورة (هود) (٤). قوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) فيه قولان :
أحدهما : أنه بمعنى القدّام ، قال ابن عباس ، يريد : أمامه جهنّم. وقال أبو عبيدة : «من ورائه» أي : قدّامه ، يقال : الموت من ورائك ، وأنشد (٥) :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي |
|
وقومي تميم والفلاة ورائيا |
والثاني : أنها بمعنى : «بعد» ، قال ابن الأنباري : «من ورائه» أي : من بعد يأسه ، فدلّ «خاب» على اليأس ، فكنّى عنه ، وحملت «وراء» على معنى : «بعد» كما قال النّابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة |
|
وليس وراء الله للمرء مذهب |
أراد : ليس بعد الله مذهب. قال الزّجّاج : والوراء يكون بمعنى الخلف والقدّام ، لأنّ ما بين يديك وما قدّامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك ، قال الشاعر (٦) :
أليس ورائي إن تراخت منيّتي |
|
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع |
قال : وليس الوراء من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة. وسئل ثعلب : لم قيل : الوراء للإمام؟ فقال : الوراء : اسم لما توارى عن عينك ، سواء أكان أمامك أو خلفك. وقال الفرّاء : إنما يجوز هذا في المواقيت من الأيام والليالي والدّهر ، تقول : وراءك برد شديد ، وبين يديك برد شديد. ولا يجوز أن تقول للرجل وهو بين يديك : هو وراءك ، ولا للرجل وراءك : هو بين يديك.
قوله تعالى : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) قال عكرمة ، ومجاهد ، واللغويون : الصّديد : القيح والدّم ،
__________________
(١) سورة الواقعة : ٨٢.
(٢) سورة ص : ١٦.
(٣) سورة الأنفال : ٣٢.
(٤) سورة هود : ٥٩.
(٥) ذكره ابن منظور في «اللسان» ، مادة «وري» ، ونسبه إلى سوّار بن المضرّب.
(٦) ذكره ابن منظور في «اللسان» ، مادة «وري» ، ونسبه إلى لبيد.