(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي : يؤثرونها (عَلَى الْآخِرَةِ) قال ابن عباس : يأخذون ما تعجّل لهم منها تهاونا بأمر الآخرة. قوله تعالى : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : يمنعون الناس من الدّخول في دينه ، (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) قد شرحناه في (آل عمران) (١). قوله تعالى : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ) أي : في ذهاب عن الحقّ (بَعِيدٍ) من الصّواب.
قوله تعالى : (إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) أي : بلغتهم. قال ابن الأنباري : ومعنى اللغة عند العرب : الكلام المنطوق به ، وهو مأخوذ من قولهم : لغا الطائر يلغو : إذا صوّت في الغلس. وقرأ أبو رجاء ، وأبو المتوكّل ، والجحدريّ : «إلّا بلسن قومه» برفع اللام والسين من غير ألف. وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران : «بلسن قومه» بكسر اللام وسكون السين من غير ألف.
قوله تعالى : (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أي : الذي أرسل به فيفهمونه عنه. وهذا نزل ، لأنّ قريشا قالوا : ما بال الكتاب كلّها أعجميّة ، وهذا عربيّ!
قوله تعالى : (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ) قال الزّجّاج : «أن» مفسّر ، والمعنى : قلنا له : أخرج قومك ، وقد سبق بيان الظّلمات والنّور. وفي قوله : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) ثلاثة أقوال (٢) :
(٨٣٧) أحدها : أنّها نعم الله ، رواه أبيّ بن كعب عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وبه قال مجاهد وقتادة وابن قتيبة.
____________________________________
(٨٣٧) أخرجه أحمد ٥ / ١٢٢ من طريق محمد بن أبان الجعفي عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب مرفوعا ، وكرره عبد الله بن أحمد من طريق الطيالسي عن الجعفي به موقوفا. وأخرجه مسلم ٢٣٨٠ ح ٧١ من طريق آخر عن أبي إسحاق به مرفوعا في أثناء خبر مطول ، وفيه «وأيام الله نعماؤه وبلاؤه». وأخرجه النسائي في «التفسير» ٢٨٠ من طريق آخر عن أبي إسحاق به مرفوعا ، وليس فيه لفظ «بلاؤه». الخلاصة هذه الروايات تتأيد بمجموعها ، وقد ورد موقوفا عن جماعة من التابعين ، فهو صحيح إن شاء الله تعالى ، والله أعلم.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٩٩.
(٢) قال ابن كثير رحمهالله ٢ / ٦٤٥ : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) أي بأياديه ونعمه عليهم في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، إلى غير ذلك من النعم.