قوله تعالى : (وَسُبْحانَ اللهِ) المعنى : وقل : سبحان الله تنزيها له عمّا أشركوا.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩))
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) هذا نزل من أجل قولهم : هلّا بعث الله ملكا ، فالمعنى : كيف تعجّبوا من إرسالنا إيّاك ، وسائر الرّسل كانوا على مثل حالك «يوحى إليهم» ، وقرأ حفص عن عاصم : «نوحي» بالنون. والمراد بالقرى : المدائن. وقال الحسن : لم يبعث الله نبيّا من أهل البادية ، ولا من الجنّ ، ولا من النّساء ، قال قتادة : لأنّ أهل القرى أعلم وأحلم من أهل العمود.
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) يعني : المشركين المنكرين نبوّتك (فَيَنْظُرُوا) إلى مصارع الأمم المكذّبة فيعتبروا بذلك. (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) يعني : الجنّة (خَيْرٌ) من الدنيا (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الشّرك. قال الفرّاء : أضيفت الدّار إلى الآخرة ، وهي الآخرة ، لأنّ العرب قد تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه ، كقوله : (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (١) والحق : هو اليقين ، وقولهم : أتيتك عام الأول ، ويوم الخميس.
قوله تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قرأ أهل المدينة ، وابن عامر ، وحفص ، والمفضّل ، ويعقوب : (تَعْقِلُونَ) بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، والمعنى : أفلا يعقلون هذا فيؤمنوا.
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠))
قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) المعنى متعلّق بالآية الأولى ، فتقديره : وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا ، فدعوا قومهم ، فكذّبوهم ، وصبروا وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم ، حتى إذا استيأس الرّسل ، وفيه قولان : أحدهما : استيأسوا من تصديق قومهم ، قاله ابن عباس. والثاني : من أن نعذّب قومهم ، قاله مجاهد. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «كذّبوا» مشدّدة الذّال مضمومة الكاف (٢) ، والمعنى : وتيقّن الرّسل أنّ قومهم قد كذّبوهم ، فيكون الظّنّ ها هنا بمعنى اليقين ، هذا قول الحسن ، وعطاء ، وقتادة. وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «كذبوا» خفيفة ،
__________________
(١) سورة الواقعة : ٩٦.
(٢) قال الطبري رحمهالله ٧ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣ : وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قراء المدينة والبصرة والشام أعني بتشديد الذال من «كذّبوا» وضم كافها. وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك ، خلاف لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة ، لأنه لم يوجه «الظن» في هذا الموضع منهم أحد إلى معنى العلم واليقين ، مع أن «الظن» استعمله العرب في موضع العلم فيما أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة. وأما رواية مجاهد المخالفة بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال «كذبوا» فهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، لإجماع الحجة من قراء الأمصار على خلافها ، وقال الحافظ ابن كثير ٢ / ٦١٣ : قد أنكرت عائشة رضي الله عنها على من قرأ «كذبوا» بالتخفيف. وانتصر لها ابن جرير ، ووجّه المشهور عن الجمهور ، وزيّف القول الآخر بالكلية وردّه وأباه ، ولم يقبله ولا ارتضاه والله أعلم.