لإسلامهم ، فخالفوا ظنّه ، فحزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فعزّاه الله تعالى بهذه الآية (١). قال الزّجّاج : ومعناها : وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم. (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ) أي : على القرآن وتلاوته وهدايتك إيّاهم (مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ) أي : ما هو إلّا تذكرة لهم لما فيه صلاحهم ونجاتهم.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥))
قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ) أي : وكم (مِنْ آيَةٍ) أي : علامة ودلالة تدلّهم على توحيد الله ، من أمر السّماوات والأرض ، (يَمُرُّونَ عَلَيْها) أي : يتجاوزونها غير مفكّرين ولا معتبرين.
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦))
قوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فيهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم المشركون ، ثم في معناها المتعلّق بهم قولان : أحدهما : أنهم يؤمنون بأنّ الله خالقهم ورازقهم وهم يشركون به ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، والشّعبيّ ، وقتادة. والثاني : أنها نزلت في تلبية مشركي العرب ، كانوا يقولون : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. والثاني : أنهم النّصارى ، يؤمنون بأنه خالقهم ورازقهم ، ومع ذلك يشركون به ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثالث : أنهم المنافقون ، يؤمنون في الظاهر رئاء للناس ، وهم في الباطن مشركون ، قاله الحسن.
فإن قيل : كيف وصف المشرك بالإيمان؟ فالجواب : أنه ليس المراد به حقيقة الإيمان ، وإنما المعنى : أنّ أكثرهم ، مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم ، مشركون.
(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧))
قوله تعالى : (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) قال ابن قتيبة : الغاشية : المجلّلة تغشاهم. وقال الزّجّاج : المعنى : يأتيهم ما يغمرهم من العذاب. والبغتة : الفجأة من حيث لم تتوقّع.
(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨))
قوله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) المعنى : قل يا محمّد للمشركين : هذه الدّعوة التي أدعو إليها ، والطّريقة التي أنا عليها ، سبيلي ، أي : سنّتي ومنهاجي. والسبيل تذكّر وتؤنّث ، وقد ذكرنا ذلك في (آل عمران) (٢). (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) أي : على يقين. قال ابن الأنباري : وكلّ مسلم لا يخلو من الدّعاء إلى الله عزوجل ، لأنه إذا تلا القرآن ، فقد دعا إلى الله بما فيه. ويجوز أن يتمّ الكلام عند قوله : (إِلَى اللهِ) ثم ابتدأ فقال : (عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٣).
__________________
(١) مساءلة اليهود للنبي عليه الصلاة والسلام عن قصة يوسف هو خبر موضوع. انظر «تفسير الشوكاني» ٣ / ٥.
(٢) في آل عمران : ١٩٥.
(٣) قال الشوكاني ٣ / ٧١ : وفي هذا دليل على أن كل متّبع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حقّ عليه أن يقتدي به في الدعاء إلى الله ، أي الدعاء إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه لعباده. وكذلك قال ابن كثير ٢ / ٦١٠.