أن يتغيّر؟ فالجواب : أنّ في الكلام إضمارا ، تقديره : إنّ هذا في تقديرنا وظنّنا.
قوله تعالى : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) قال ابن قتيبة : البثّ : أشدّ الحزن ، سمّي بذلك ، لأنّ صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثّه.
قوله تعالى : (إِلَى اللهِ) المعنى : إنّي لا أشكو إليكم ، وذلك لمّا عنّفوه بما تقدّم ذكره.
(٨١٩) وروى الحاكم أبو عبد الله في «صحيحه» من حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كان ليعقوب أخ مؤاخ ، فقال له ذات يوم : يا يعقوب ، ما الذي أذهب بصرك؟ وما الذي قوّس ظهرك؟ قال : أمّا الذي أذهب بصري ، فالبكاء على يوسف ، وأمّا الذي قوّس ظهري ، فالحزن على بنيامين ، فأتاه جبريل ، فقال : يا يعقوب إنّ الله يقرئك السّلام ويقول لك : أما تستحي أن تشكو إلى غيري؟ فقال : إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله ، فقال جبريل : الله أعلم بما تشكو ، ثم قال يعقوب : أي ربّ ، أما ترحم الشيخ الكبير؟ أذهبت بصري ، وقوّست ظهري ، فاردد عليّ ريحاني أشمّه شمّة قبل الموت ، ثم اصنع بي يا ربّ ما شئت ، فأتاه جبريل ، فقال : يا يعقوب ، إنّ الله يقرأ عليك السّلام ويقول : أبشر ، فو عزّتي لو كانا ميّتين لنشرتهما لك ، اصنع طعاما للمساكين ، فإنّ أحبّ عبادي إليّ المساكين ، وتدري لم أذهبت بصرك ، وقوّست ظهرك ، وصنع إخوة يوسف بيوسف ما صنعوا؟ لأنّكم ذبحتم شاة ، فأتاكم فلان المساكين وهو صائم ، فلم تطعموه منها. فكان يعقوب ، بعد ذلك إذا أراد الغداء أمر مناديا فنادى : ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب ، وإذا كان صائما أمر مناديا فنادى : من كان صائما فليفطر مع يعقوب. وقال وهب بن منبّه : أوحى الله تعالى إلى يعقوب : أتدري لم عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة؟ قال : لا ، قال : لأنّك شويت عناقا وقتّرت على جارك وأكلت ولم تطعمه». وذكر بعضهم أنّ السبب في ذلك أنّ يعقوب ذبح عجل بقرة بين يديها ، وهي تخور ، فلم يرحمها.
فإن قيل : كيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكا؟ فقد ذكر المفسّرون عنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنه يجوز أن يكون ذلك عن أمر الله تعالى ، وهو الأظهر. والثاني : لئلّا يظنّ الملك بتعجيل
____________________________________
(٨١٩) أخرجه الحاكم ٢ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ٢ / ٦٠١ وإسناده ضعيف جدا. قال الحاكم : هكذا في سماعي بخط يد حفص بن عمر بن الزبير ، وأظن الزبير وهما من الراوي فإنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك ، فإن كان كذلك فالحديث صحيح! وسكت الذهبي ، في حين ذكر الذهبيّ في «الميزان» ١ / ٥٦٦ حفصا هذا ، وقال : ضعفه الأزدي. وذكر الحافظ في «اللسان» ٢ / ٣٢٩ كلام الذهبي ، وزاد : وذكره ابن حبان في «ثقاته» وقال : حفص بن عمر بن أبي الزبير عن أنس ، روى عنه يحيى بن عبد الملك. قلت : ابن حبان يوثق المجاهيل ، وقد تفرد يحيى بن عبد الملك بالرواية عنه ، فهو مجهول ، ويدل على ذلك إبهامه في بعض الروايات كما سيأتي. وأخرجه الطبراني في «المعجم الصغير» ٨٥٧ ، من طريق يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية عن حفص بن عمر الأحمسي عن أبي الزبير عن أنس بن مالك. وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٤٠ : رواه الطبراني في «الصغير» و «الأوسط» عن شيخه : محمد بن أحمد الباهلي البصري وهو ضعيف جدا. والحديث استغربه ابن كثير واستنكره ، والأشبه أنه متلقى عن أهل الكتاب ، ولا أصل له في المرفوع. وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الفرج بعد الشدة» ٤٦ ، من طريق يحيى بن عبد الملك ، عن رجل ، عن أنس ابن مالك. الخلاصة : هو حديث ضعيف جدا ، شبه موضوع ، والأشبه أنه من الإسرائيليات ، ولا يصح رفعه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.