إليه ، بل تكفينا هذه في الرّجوع إليه ، وأرادوا بذلك تطييب قلبه ليأذن لهم بالعود. وقرأ ابن مسعود ، وابن يعمر ، والجحدريّ ، وأبو حياة «ما تبغي» بالتاء ، على الخطاب ليعقوب.
قوله تعالى : (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) أي : نجلب لهم الطعام. قال ابن قتيبة : يقال : مار أهله يميرهم ميرا ، وهو مائر لأهله : إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده. قوله تعالى : (وَنَحْفَظُ أَخانا) فيه قولان : أحدهما : نحفظ أخانا ابن يامين الذي ترسله معنا ، قاله الأكثرون. والثاني : ونحفظ أخانا شمعون الذي أخذ رهينة عنده ، قاله الضّحّاك عن ابن عباس. قوله تعالى : (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) أي : وقر بعير ، يعنون بذلك نصيب أخيهم ، لأنّ يوسف كان لا يعطي الواحد أكثر من حمل بعير.
قوله تعالى : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : ذلك كيل سريع ، لا حبس فيه ، يعنون : إذا جاء معنا ، عجّل الملك لنا الكيل ، قاله مقاتل. والثاني : ذلك كيل سهل على الذي نمضي إليه ، قاله الزّجّاج. والثالث : ذلك الذي جئناك به كيل يسير لا يقنعنا ، قاله الماوردي.
قوله تعالى : (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) أي : تعطوني عهدا أثق به ، والمعنى : حتى تحلفوا لي بالله (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) أي : لتردّنّه إليّ. قال ابن الأنباري : وهذه اللام جواب لمضمر ، تلخيصه : وتقولوا : والله لتأتنّني به. قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) فيه قولان : أحدهما : أن يهلك جميعكم ، قاله مجاهد. والثاني : أن يحال بينكم وبينه فلا تقدرون على الإتيان به ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) أي : أعطوه العهد ، وفيه قولان : أحدهما : أنهم حلفوا له بحقّ محمّد صلىاللهعليهوسلم ومنزلته من ربّه ، قاله الضّحّاك عن ابن عباس. والثاني : أنهم حلفوا بالله تعالى ، قاله السّدّيّ. قوله تعالى : (قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) فيه قولان : أحدهما : أنه الشهيد. والثاني : كفيل بالوفاء ، رويا عن ابن عباس.
قوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) قال المفسّرون : لمّا تجهّزوا للرّحيل ، قال لهم يعقوب : «لا تدخلوا» يعني مصر «من باب واحد». وفي المراد بهذا الباب قولان : أحدهما : أنه أراد بابا من أبواب مصر ، وكان لمصر أربعة أبواب ، قاله الجمهور. والثاني : أنه أراد الطرق لا الأبواب ، قاله السّدّيّ ، وروى نحوه أبو صالح عن ابن عباس. وفي ما أراد بذلك ثلاثة أقوال : أحدها : أنه خاف عليهم العين ، وكانوا أولي جمال وقوّة ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة. والثاني : أنه خاف أن يغتالوا لما ظهر لهم في أرض مصر من التّهمة ، قاله وهب بن منبّه. والثالث : أنه أحبّ أن يلقوا يوسف في خلوة ، قاله إبراهيم النّخعيّ.
قوله تعالى : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : لن أدفع عنكم شيئا قضاه الله ، فإنه إن شاء أهلككم متفرّقين ، ومصداقه في الآية التي بعدها (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) وهي إرادته أن يكون دخولهم كذلك شفقة عليهم. قال الزّجّاج : «إلا حاجة» استثناء ليس من الأول ، والمعنى : لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها. قال ابن عباس : «قضاها» أي : أبداها وتكلّم بها.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) فيه سبعة أقوال : أحدها : إنه حافظ لما علّمناه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : وإنه لذو علم أنّ دخولهم من أبواب متفرّقة لا يغني عنهم من الله شيئا ، قاله الضّحّاك عن ابن عباس. والثالث : وإنه لعامل بما علّم ، قاله قتادة. وقال ابن الأنباري : سمّي العمل