قوله تعالى : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ) قال المفسّرون : لمّا عادوا إلى يعقوب ، قالوا : يا أبانا : قدمنا على خير رجل ، أنزلنا ، وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته.
وفي قوله تعالى : (مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) قولان قد تقدّما في قوله : (فلا كيل لكم عندي). فإن قلنا : إنه لم يكل لهم ، فلفظ «منع» بيّن. وإن قلنا : إنه خوّفهم منع الكيل ، ففي المعنى قولان :
أحدهما : حكم علينا بمنع الكيل بعد هذا الوقت ، كما تقول للرجل : دخلت والله النار بما فعلت. والثاني : أنّ المعنى : يا أبانا يمنع منّا الكيل إن لم ترسله معنا ، فناب «منع» عن «يمنع» كقوله تعالى : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (١) أي : يخلده ، وقوله : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ) (٢) ، (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى) (٣) أي : وإذ يقول ، ذكرهما ابن الأنباري.
قوله تعالى : (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر : «نكتل» بالنون. وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «يكتل» بالياء. والمعنى : إن أرسلته معنا اكتلنا ، وإلّا فقد منعنا الكيل.
قوله تعالى : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ) أي لا آمنكم عليه إلّا كأمني على يوسف ، يريد أنه لم ينفعه ذلك الأمن إذ خانوه. (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «حفظا» ، والمعنى : خير حفظا من حفظكم ، وقرأ حمزة والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «خير حافظا» بألف. قال أبو عليّ : ونصبه على التّمييز دون الحال.
(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨))
قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) يعني أوعية الطعام (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ) التي حملوها ثمنا للطعام (رُدَّتْ) قال الزّجّاج : الأصل «رددت» ، فأدغمت الدال الأولى في الثانية ، وبقيت الراء مضمومة. ومن قرأ بكسر الراء جعل كسرتها منقولة من الدال ، كما فعل ذلك في : قيل ، وبيع ، ليدلّ على أنّ أصل الدال الكسر.
قوله تعالى : (ما نَبْغِي) في «ما» قولان : أحدهما : أنها استفهام ، المعنى : أيّ شيء نبغي وقد ردّت بضاعتنا إلينا؟ والثاني : أنها نافية ، المعنى : ما نبغي شيئا ، أي : لسنا نطلب منك دراهم نرجع بها
__________________
(١) سورة الهمزة : ٣.
(٢) سورة الأعراف : ٥٠.
(٣) سورة المائدة : ١١٦.