أي : غياثا للمغلوب المقهور ، وقال عديّ :
لو بغير الماء حلقي شرق |
|
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (١) |
هذا قول أبي عبيدة. والرابع : يصيبون ما يحبّون ، روي عن أبي عبيدة أيضا أنه قال : المعتصر : الذي يصيب الشيء ويأخذه ، ومنه هذه الآية. ومنه قول ابن أحمر :
فإنّما العيش بريّانه |
|
وأنت من أفنانه معتصر |
والخامس : يعطون ويفضلون لسعة عيشهم ، رواه ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة. وقرأ سعيد بن جبير : «يعصرون» بضمّ الياء وفتح الصاد. وقال الزّجّاج : أراد : يمطرون من قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) (٢).
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١))
قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) قال المفسّرون : لمّا رجع السّاقي إلى الملك وأخبره بتأويل رؤياه ، وقع في نفسه صحّة ما قال ، فقال : ائتوني بالذي عبّر رؤياي ، فجاءه الرسول ، فقال : أجب الملك ، فأبى أن يخرج حتى تبين براءته مما قرف به ، فقال : (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) يعني الملك (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ) وقرأ ابن أبي عبلة : «النّسوة» بضم النون ، والمعنى : فاسأل الملك أن يتعرّف ما شأن تلك النسوة وحالهنّ ليعلم صحة براءتي ، وإنما أشفق أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره أو متّهم بفاحشة ، وأحبّ أن يراه بعد استقرار براءته عنده. وظاهر قوله : (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) أنه يعني الله عزوجل ، وحكى ابن جرير الطّبري أنه أراد به سيّده العزيز ، والمعنى : أنه يعلم براءتي. وقد روي عن نبيّنا صلىاللهعليهوسلم أنه استحسن حزم يوسف وصبره عن التّسرّع إلى الخروج. فقال صلىاللهعليهوسلم :
(٨١٣) «إنّ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ، ثم جاءني الدّاعي لأجبت».
____________________________________
(٨١٣) صحيح. أخرجه الترمذي ٣١١٦ ، والطحاوي في «المشكل» ٣٣٠ ، والطبري ١٩٤٠٤ من حديث أبي هريرة ، وإسناده حسن لأجل محمد بن عمرو ، وحسنه الترمذي. وورد من وجه آخر بنحوه. أخرجه البخاري ٣٣٧٢ ومسلم ١٥١ وابن ماجة ٤٠٢٦ ، وأحمد ٢ / ٣٢٦ ، وابن حبان ٦٢٠٨ ، والطحاوي في «المشكل» ٣٢٦ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولفظه في البخاري : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «نحن أحق من إبراهيم إذ قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ويرحم الله لوطا ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي».
__________________
(١) البيت لعدي بن زيد انظر «مجاز القرآن» ١ / ٣١٤ ، و «الخزانة» ٣ / ٥٩٤ ، وذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «شرق». والشّرق : الشجا والغصة.
(٢) سورة النبأ : ١٤.