أحدها : أنه لمّا علم أنّ أحدهما مقتول ، دعاهما إلى نصيبهما من الآخرة ، قاله قتادة.
والثاني : أنه عدل عن الجواب لما فيه من المكروه لأحدهما ، قاله ابن جريج.
والثالث : أنه ابتدأ بدعائهما إلى الإيمان قبل جواب السّؤال ، قاله الزّجّاج.
والرابع : أنه ظنّهما كاذبين في رؤياهما ، فعدل عن جوابهما ليعرضا عن مطالبته بالجواب ، فلمّا ألحّا أجابهما ، ذكره ابن الأنباري. فأمّا الملّة فهي الدّين. وتكرير قوله : «هم» للتّوكيد.
قوله تعالى : (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) قال ابن عباس : يريد : أنّ الله عصمنا من الشّرك (ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) أي : اتّباعنا الإيمان بتوفيق الله. (وَعَلَى النَّاسِ) يعني المؤمنين بأن دلّهم على دينه. وقال ابن عباس : «ذلك من فضل الله علينا» أن جعلنا أنبياء «وعلى الناس» أن بعثنا إليهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) من أهل مصر (لا يَشْكُرُونَ) نعم الله فيوحّدونه.
قوله تعالى : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ) يعني : الأصنام من صغير وكبير (خَيْرٌ) أي : أعظم صفة في المدح (أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) يعني أنه أحقّ بالإلهيّة من الأصنام؟ فأمّا الواحد ، فقال الخطّابيّ : هو الفرد الذي لم يزل وحده ، وقيل : هو المنقطع القرين ، المعدوم الشّريك والنّظير ، وليس كسائر الآحاد من الأجسام المؤلّفة ، فإنّ كلّ شيء سواه يدعى واحدا من جهة ، غير واحد من جهات ، والواحد لا يثنّى من لفظه ، لا يقال : واحدان. والقهّار : الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة ، وقهر الخلق كلّهم بالموت. وقال غيره : القهّار : الذي قهر كلّ شيء فذلّله ، فاستسلم وذلّ له.
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١))
قوله تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) إنما جمع في الخطاب لهما ، لأنه أراد جميع من شاركهما في شركهما. وقوله : «من دونه» أي : من دون الله (إِلَّا أَسْماءً) يعني : الأرباب والآلهة ، ولا يصحّ معاني تلك الأسماء للأصنام ، فكأنّها أسماء فارغة ، فكأنهم يعبدون الأسماء ، لأنها لا تصحّ معانيها. (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي : من حجّة بعبادتها (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي : ما القضاء والأمر والنّهي إلّا له. (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي : المستقيم ، يشير إلى التّوحيد. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فيه قولان : أحدهما : أنه لا يجوز عبادة غيره. والثاني : لا يعلمون ما للمطيعين من الثّواب وللعاصين من العقاب.
قوله تعالى : (أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) الرّبّ هاهنا : السّيّد. قال ابن السّائب : لمّا قصّ السّاقي رؤياه على يوسف ، قال له : ما أحسن ما رأيت! أما الأغصان الثلاثة ، فثلاثة أيام ، يبعث إليك الملك عند انقضائها ، فيردك إلى عملك ، فتعود كأحسن ما كنت فيه ، وقال للخبّاز : بئس ما رأيت ، السّلال الثلاث ، ثلاثة أيام ، ثم يبعث إليك الملك عند انقضائهنّ ، فيقتلك ويصلبك ويأكل الطّير من رأسك ، فقالا : ما رأينا شيئا ، فقال : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي : فرغ منه ، وسيقع بكما ، صدقتما أو كذبتما.