كذلك ، لأنّ العرب توقع بالفرع ما هو واقع بالأصل كقولهم : فلان يطبخ آجرّا.
والثاني : أنّ الخمر في لغة أهل عمان اسم للعنب ، قاله الضّحّاك ، والزّجّاج. قال ابن القاسم : وقد نطقت قريش بهذه اللغة وعرفتها.
والثالث : أنّ المعنى : أعصر عنب خمر ، وأصل خمر ، وسبب خمر ، فحذف المضاف ، وخلفه المضاف إليه ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١). قال أبو صالح عن ابن عباس : رأى يوسف ذات يوم الخبّاز والسّاقي مهمومين ، فقال : ما شأنكما؟ قالا : رأينا رؤيا ، قال : قصّاها عليّ ، فقال السّاقي : إني رأيت كأني دخلت كرما فجنيت ثلاثة عناقيد عنب ، فعصرتهنّ في الكأس ، ثم أتيت به الملك فشربه ، وقال الخبّاز : رأيت أني خرجت من مطبخ الملك أحمل فوق رأسي ثلاث سلال من خبز ، فوقع طير على أعلاهنّ فأكل منها ، (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) أي : أخبرنا بتفسيره. وفي قوله تعالى : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) خمسة أقوال :
أحدها : أنه كان يعود المرضى ويداويهم ويعزّي الحزين ، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والثاني : إنّا نراك محسنا إن أنبأتنا بتأويله ، قاله ابن إسحاق.
والثالث : إنّا نراك من العالمين قد أحسنت العلم ، قاله الفرّاء. قال ابن الأنباري : فعلى هذا يكون مفعول الإحسان محذوفا ، كما حذف في قوله : (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (٢) يعني العنب والسّمسم. وإنما علموا أنه عالم ، لنشره العلم بينهم.
والرابع : إنّا نراك ممّن يحسن التّأويل ، ذكره الزّجّاج.
والخامس : إنّا نراك محسنا إلى نفسك بلزومك طاعة الله ، ذكره ابن الأنباري.
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩))
قوله تعالى : (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) في معنى الكلام قولان :
أحدهما : لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة إلّا أخبرتكما به قبل أن يصل إليكما ، لأنه كان يخبر بما غاب كعيسى عليهالسلام ، وهو قول الحسن.
والثاني : لا يأتيكما طعام ترزقانه في المنام إلّا نبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما في اليقظة ، هذا قول السّدّيّ. قال ابن عباس : فقالا له : وكيف تعلم ذلك ، ولست بساحر ، ولا عرّاف ، ولا صاحب نجوم ؛ فقال : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي).
فإن قيل : هذا كلّه ليس بجواب سؤالهما ، فأين جواب سؤالهما؟ فعنه أربعة أجوبة :
__________________
(١) سورة يوسف : ٨٢.
(٢) سورة يوسف : ٤٩.