على شفتيه. وقال الحسن : مثّل له جبريل في صورة يعقوب في سقف البيت عاضّا على إبهامه أو بعض أصابعه. وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، وابن سيرين ، والضّحّاك في آخرين. وقال عكرمة : كلّ ولد يعقوب ، قد ولد له اثنا عشر ولدا ، إلّا يوسف فإنّه ولد له أحد عشر ولدا ، فنقص بتلك الشّهوة ولدا.
والثاني : أنه جبريل عليهالسلام. روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : مثل له يعقوب فلم يزدجر ، فنودي : أتزني فتكون مثل الطّائر نتف ريشه؟! فلم يزدجر حتى ركضه جبريل في ظهره ، فوثب.
والثالث : أنها قامت إلى صنم في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال لها يوسف : أيّ شيء تصنعين؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه السّوأة ، فقال : أتستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحي من إلهي القائم على كلّ نفس بما كسبت؟ فهو البرهان الذي رأى ، قاله عليّ بن أبي طالب ، وعليّ بن الحسين ، والضّحّاك.
والرابع : أنّ الله تعالى بعث إليه ملكا ، فكتب في وجه المرأة بالدّم : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (١) ، قاله الضّحّاك عن ابن عباس. وروي عن محمّد بن كعب القرظيّ : أنه رأى هذه الآية مكتوبة بين عينيها ، وفي رواية أخرى عنه ، أنه رآها مكتوبة في الحائط. وروى مجاهد عن ابن عباس قال : بدت فيما بينهما كفّ ليس فيها عضد ولا معصم ، وفيها مكتوب (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) ، فقام هاربا ، وقامت ، فلمّا ذهب عنهما الرّوع عادت وعاد ، فلمّا قعد إذا بكفّ قد بدت فيما بينهما فيها مكتوب (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢) الآية ، فقام هاربا ، فلمّا عاد ، قال الله تعالى لجبرئيل : أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة ، فانحطّ جبريل عاضّا على كفّه أو إصبعه وهو يقول : يا يوسف ، أتعمل عمل السّفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء؟!. وقال وهب بن منبّه : ظهرت تلك الكفّ وعليها مكتوب بالعبرانيّة (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (٣) ، فانصرفا ، فلمّا عادا رجعت وعليها مكتوب (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ) (٤) ، فلمّا عادا عادت وعليها مكتوب (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) الآية ، فعاد ، فعادت الرابعة وعليها مكتوب (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ، فولّى يوسف هاربا (٥).
والخامس : أنه سيّده العزيز دنا من الباب ، رواه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم. وقال ابن إسحاق : يقال : إنّ البرهان خيال سيّده ، رآه عند الباب فهرب.
والسادس : أنّ البرهان أنه علم ما أحلّ الله ممّا حرّم الله ، فرأى تحريم الزّنا ، روي عن محمّد بن كعب القرظيّ. قال ابن قتيبة : رأى حجّة الله عليه ، وهي البرهان ، وهذا هو القول الصّحيح ، وما تقدّمه فليس بشيء ، وإنّما هي أحاديث من أعمال القصّاص ، وقد أشرت إلى فسادها في كتاب «المغني في التفسير». وكيف يظنّ بنبيّ لله كريم أنه يخوّف ويرعّب ويضطرّ إلى ترك هذه المعصية وهو مصرّ؟! هذا غاية القبح.
__________________
(١) سورة الإسراء : ٣٢.
(٢) سورة البقرة : ٢٨١.
(٣) سورة الرعد : ٣٣.
(٤) سورة الانفطار : ١٠ ـ ١١.
(٥) هذه الآثار جميعا من الإسرائيليات ، لا حجة في شيء منها ، وتقدم ما فيه كفاية.