تحذفهما وتجتزئ بالكسرة من الياء وبالضّمة من الواو ، وأنشدني بعضهم (١) :
كفّاك كفّ ما تليق درهما |
|
جودا وأخرى تعط بالسّيف الدّما |
قال المفسّرون : وقوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ) يعني : يأتي ذلك اليوم ، لا تكلّم نفس إلّا بإذن الله ، فكلّ الخلائق ساكتون ، إلّا من أذن الله له في الكلام. وقيل : المراد بهذا الكلام الشّفاعة.
قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌ) قال ابن عباس : منهم من كتبت عليه الشّقاوة ، ومنهم من كتبت له السّعادة.
قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنّ الزّفير كزفير الحمار في الصّدر ، وهو أول ما ينهق ، والشّهيق كشهيق الحمار في الحلق ، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضّحّاك ، ومقاتل ، والفرّاء. وقال الزّجّاج : الزّفير : شديد الأنين وقبيحه ، والشّهيق : الأنين الشّديد المرتفع جدا ، وهما من أصوات المكروبين. وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أنّ الزّفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النّهيق ، والشّهيق بمنزلة آخر صوته في النّهيق.
والثاني : أنّ الزّفير في الحلق ، والشّهيق في الصّدور ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، والرّبيع بن أنس ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس : الزّفير : الصوت الشّديد ، والشّهيق : الصوت الضعيف. وقال ابن فارس : الشّهيق ضدّ الزّفير ، لأنّ الشّهيق ردّ النّفس ، والزّفير إخراج النّفس. وقال غيره : الزّفير : الشديد ، مأخوذ من الزّفر ، وهو الحمل على الظّهر لشدّته ؛ والشّهيق : النّفس الطّويل الممتدّ ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ، أي طويل.
والثالث : أنّ الزّفير زفير الحمار ، والشّهيق شهيق البغال ، قاله ابن السّائب.
قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) المعروف فيه قولان : أحدهما : أنها السّماوات المعروفة عندنا ، والأرض المعروفة. قال ابن قتيبة ، وابن الأنباري : للعرب في معنى الأبد ألفاظ ؛ تقول : لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار ، وما دامت السّماوات والأرض ، وما اختلفت الجرّة والدّرّة ، وما أطّت الإبل (٢) ، في أشباه لهذا كثيرة ، ظنا منهم أنّ هذه الأشياء لا تتغير ، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم. والثاني : أنّها سماوات الجنّة والنار وأرضهما.
قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) في الاستثناء المذكور في حقّ أهل النار سبعة أقوال (٣) :
__________________
(١) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «ليق» ولم ينسبه لأحد.
(٢) في «اللسان» الجرّة : ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه. والدّرّة بالكسر : كثرة اللبن وسيلانه. وأطّت الإبل تئطّ أطيطا : أنّت تعبا أو حنينا.
(٣) قال الطبري رحمهالله ٧ / ١١٦ : وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن قتادة والضحاك : «من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر ، أنه يدخلهم النار خالدين فيها أبدا إلا ما شاء من تركهم فيها أقل من ذلك ، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصحة في ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار ، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الله يدخل قوما من أهل الإيمان به بذنوب أصابوها النار ، ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة ،