(وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١))
قوله تعالى : (وَما ظَلَمْناهُمْ) أي : بالعذاب والإهلاك. (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والمعاصي. (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ) أي : فما نفعتهم ولا دفعت عنهم شيئا (لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بالهلاك. (وَما زادُوهُمْ) يعني الآلهة (غَيْرَ تَتْبِيبٍ) وفيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه التّخسير ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، واختاره ابن قتيبة ، والزّجّاج. والثاني : أنه الشّرّ ، قاله ابن زيد. والثالث : التّدمير والإهلاك ، قاله أبو عبيدة.
فإن قيل : الآلهة جماد ، فكيف قال : «زادوهم»؟ فعنه جوابان : أحدهما : وما زادتهم عبادتها. والثاني : أنها في القيامة تكون عونا عليهم فتزيدهم شرّا.
(وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤))
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) أي : وكما ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب أخذ ربّك. (إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) وصف القرى بالظّلم ، والمراد أهلها. وقال ابن عباس : الظّلم ها هنا : بمعنى الكفر.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) يعني ما ذكر من عذاب الأمم وأخذهم. والآية : العبرة والعظة. (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) لأنّ الخلق يحشرون فيه ، ويشهده البرّ والفاجر ، وأهل السّماء والأرض .. (وَما نُؤَخِّرُهُ) وروى زيد عن يعقوب ، وأبو زيد عن المفضّل «وما يؤخره بالياء» والمعنى : وما نؤخّر ذلك اليوم إلّا لوقت معلوم لا يعلمه إلّا الله عزوجل.
(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨))
قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ : «يوم يأتي» بياء في الوصل وحذفوها في الوقف ؛ غير أنّ ابن كثير كان يقف بالياء ويصل بالياء. وقرأ عاصم وابن عامر ، وحمزة بغير ياء في الوصل والوقف. قال الزّجّاج : الذي يختاره النّحويون «يوم يأتي» بإثبات الياء ، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء ، وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيرا. وقد حكى الخليل وسيبويه ، أنّ العرب تقول : لا أدر ، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسرة ، ويزعمون أنّ ذلك لكثرة الاستعمال. وقال الفرّاء : كلّ ياء ساكنة وما قبلها مكسور ، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم ، فإنّ العرب